Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-91)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } هذه الآية من ثمرات قوله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [ النحل : 89 ] حتى قال العلماء : إن لم يكن في القرآن غير هذه الآية ، لكفت في البيان والهدى والرحمة ، لأنها آمرة بكل خير ، ناهية عن كل شر . قوله : ( التوحيد ) أي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وهذا التفسير وارد عن ابن عباس ، وفي رواية عنه أيضاً : العدل خلع الأنداد ، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، وأن تحب للمرء ما تحب لنفسك ، فإن كان مؤمناً ، تحب أن يزداد إيماناً ، وإن كان كافراً تحب أن يكون أخاك في الإسلام . وفي رواية : العدل التوحيد ، والإحسان الأخلاص ، وكل هذا أفاده المفسر بقوله : ( التوحيد والانصاف ) أي في كل أمور ، فالانصاف في التوحيد ، اعتقاد أن الله متصف بكل كمال ، منزه عن كل نقص ، والانصاف في الاعتقاد ، نسبة الأفعال كلها لله ، ونسبة الكسب للعبيد ، خلافاً للجبرية والمعتزلة ، فالفرقة الأولى نفت الكسب أصلاً . وقالوا : العبد كالخيط المعلق في الهواء ، لا فعل له أصلاً ، وتعذيب الله له ظلم ، وهؤلاء كفار . والفرقة الثانية قالوا : العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية ، وهؤلاء فساق ، وكلا المذهبين جور ، والانصاف نسبة الأفعال كلها لله ، خيرها وشرها ، ظاهرها وباطنها ، ولكن من الأفعال ما هو جبري ، وهذه لا كسب للعبد فيها ، ولذا لا يثاب عليها ولا يعاقب ، ومنها ما هو اختياري ، وهذه للعبد فيها نوع كسب ، ولذا يثاب عليه إن كان خيراً ، ويعاقب عليه إن كان شراً ، وهذا مذهب أهل السنة ، خرج من بين فرث ودم ، لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ، والانصاف في العبادات ، عدم التفريط والإفراط فيها ، بل يكون بين ذلك قواماً ، والانصاف في النفقات ، أن لا يسرف ولا يقتر ، قال تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [ الإسراء : 29 ] والانصاف بين عباد الله : يقسم لزوجاته ، وينصر المظلوم على الظالم ، ويعامل الخلق باللطف والرفق ، وغير ذلك . قوله : { وَٱلإحْسَانِ } أي مع الله ومع عباده ، فالإحسان مع الله ، أداء فرائضه على الوجه الأكمل ، والإحسان مع عباده ، أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، . قوله : ( كما في الحديث ) أي فقد سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان ، فقال له عليه الصلاة والسلام : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، والمعنى أن تعبد الله ملاحظاً لجلاله ، كأنك تراه ببصرك ، وهذا مقام المشاهدة فإن لم تصل لهذه المرتبة ، فلاحظ أنه يراك وأنك في حضرته ، وهذا مقام المراقبة ، فمثل المشاهد كالبصير الجالس في حضرة الملك ، فأدبه من جهتين ؛ كونه رائياً الملك ، وكون الملك رائياً له ، ومثل المراقب كمثل الأعمى الجالس في حضرة الملك ، فأدبه من جهة ملاحظته ، كون الملك رائياً له . قوله : { وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي التصدق على القريب ، وهو آكد من التصدق على غيره ، لأن فيه صدقة وصلة ، قال عليه الصلاة والسلام : " إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم " قوله : ( من المكفر والمعاصي ) أي فيدخل فيه الزنا وغيره ، فهو تعميم بعد تخصيص . قوله : ( اهتماماً به ) أي لأنه أعظم المعاصي بعد الكفر ، ولذا قال بعض العلماء : أعجل العقوبة على المعاصي العقوبة على البغي . وفي الحديث : " لو أن جبلين بغى أحدهما على الآخر ؛ لانتقم الله من الباغي " وفيه أيضاً " الظلمة وأعوانهم كلاب النار " قوله : ( كما بدأ بالفحشاء كذلك ) أي اهتماماً به ، لأن فيه ضياع الأنساب والأعراض ، ويترتب عليه المقت والعقوبة من الله ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] . قوله : { يَعِظُكُمْ } حال من فاعل يأمر وينهى ، أي يأمركم وينهاكم ، حال كونه واعظاً لكم . قوله : ( في الأصل ) أي فأصله تتذكرون ، قلبت التاء ذالاً ، وأدغمت في الدال . قوله : ( هذه أجمع آية ) الخ ، روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة . فقال : أعدها يا محمد ، فلما قرأها قال : إن له حلاوة ، وإن عليه طلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر " ، ولكونها أجمع آية استعملها الخطباء في آخر الخطبة . قوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } هذا من جملة المأمور به على سبيل التفصيل ، وبدأ بالأمر بالوفاء بالعهد ، لأنه آكد الحقوق ، وهذه الآية نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، ولكن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب . قوله : ( من البيع ) بكسر الباء جمع بيعة ، وهي المعاهدة على أمر شرعي . قوله : ( والإيمان ) جمع يمين ، أي وأوفوا بما حلفتم عليه ، ولا تحنثوا في أيمانكم ، أي إذا ان فيها صلاح ، وإلا فالحنث خير ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيراً منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه " فهو عام مخصوص . قوله : ( وغيرها ) أي كالمواعيد ، فالمراد من العهد كل ما يلزم الإنسان الوفاء به ، سواء أوجبه الله على الشخص ، أو التزمه الشخص من نفسه ، كعهود المشايخ التي يأخذونها على المريدين ، بأنهم يلازمون طاعة الله ، ولا يخالفونه في أمرنا ، فالواجب على المريدين الوفاء بها ، حيث كانت المشايج موزونين بميزان الشرع ، متصفين بالأخلاق الحميدة والأفعال السديد . قوله : { بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } أي تغليظها ، والتوكيد مصدر وكد بالواو ، ويقال أكد بالهمزة ، فمصدره التأكيد ، وهما لغتان . قوله : { كَفِيلاً } أي شهيداً . قوله : ( والجملة حال ) أي من فاعل تنقضوا .