Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 102-104)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { ٱتَّبَعُواْ } لا يصلح أن يكون جواباً لعدم ترتبه على الشرط لأنه سابق على بعثة رسول الله ، فالأحسن عطفه على جملة ولما جاءهم رسول بيان لسوء حالهم . قوله : ( أي تلت ) أشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي ، لأن السماء محفوظة من استراقهم السمع من بعثة رسول الله وتلت بمعنى قرأت أو كذبت . قوله : ( على عهد ) على بمعنى في وعهد بمعنى زمن التقدير ، واتبعوا ما تلت الشياطين في زمن ملك سليمان ، ويحتمل أن تتلو بمعنى تتقول وعلى على بابها ومتعلقها محذوف تقديره على الله ، فيصير المعنى واتبعوا ما تتقوله الشياطين على الله زمن ملك سليمان ، وقوله : ( من السحر ) بيان لما وعائد الموصول محذوف تقديره تتلوه . قوله : ( أو كانت تسترق السمع ) أو لتنويع الخلاف لأنه اختلف في الذي اتبعته اليهود ، فقيل هو السحر الذي وضعته الشياطين تحت كرسيه لما نزع ملكه ، وسبب ذلك أن امرأة من نساء ليمان سجدت لصنم أربعين يوماً فعاتبه الله بنزع ملكه تلك المدة ، وسبب عزله أنه كان خاتمه الذي نزل به آدم من الجنة يضعه إذا دخل الخلاء عند امرأة من نسائه تسمى الأمينة ، وكان كل من لبسه يملك الدنيا بما فيها ، فوضعه عندها مرة فجاءها شيطان يسمى صخر المارد ، وتشكل بشكل سليمان وطلب الخاتم فأعطته له ، ثم أتى الكرسي وجلس عليه أربعين يوماً فجمعت الشياطين كتب السحر ودفنتها تحت كرسيه ، ثم لما انقضت المدة وجاء الأمر بتولية سليمان ثانياً طار الشيطان فوقع الخاتم في البحر فحملته دابة من دواب الماء وأتته به ، فأمر سليمان الشياطين أن يأتوا بصخر المارد فأتوه به ، فأمرهم أن يفتحوا صخرة ففعلوا ثم أمرهم أن يضعوه فيها ويسدوا عليه بالرصاص والنحاس ويرموه في قعر البحر الملح ففعلوا فلما مات سليمان دلت الشياطين على تلك الكتب المدفونة الناس ، وقيل إنه ما استرقته الشياطين من السماء ، فكان الشيطان يسمع الكلمة الصدق ويضع عليها تسعة وتسعين كذبة ويلقيها إلى الكهنة ، إلى آخر ما قال المفسر . قوله : ( دلت الشياطين ) المراد الجنس لأن الذي دل شيطان منهم . قوله : ( لأنه كفر ) أي في شرعه وأما في شرعنا ففيه تفصيل ، فإن اعتقد صحته وأنه يؤثر بنفسه فهو كفر ، وأما إن تعلمه ليسحر به الناس فهو حرام ، وإن كان لا لشيء فمكروه ، وإن كان ليبطل به السحر فجائز ، وعرفه ابن العربي بأن كلام مؤلف يعظم به غير الله وتنسب له المقادير ، فعليه هو كفر حتى في شرعنا ، وعبارة الغزالي تفيد ما قاله ابن العربي . قوله : { يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ } إما بدل من كفروا بدل فعل من فعل على حد إن تصل تسجد لله يرحكم ، أو خبر بعد خبر أو جملة مستأنفة أو حال من الشياطين أو حال من الواو في كفروا ، فهذه خمس احتمالات اختار المفسر آخرها . قوله : ( ويعلمونهم ) { مَآ أُنْزِلَ } أشار بذلك إلى أن ما اسم موصول معطوف على السحر من عطف الخاص على العام ، والنكتة قوة ما أنزل على الملكين وصعوبته ويحتمل أنه مغاير ، وأن ما أنزل على الملكين وإن كان سحراً إلا أنه نوع آخر منه غير متعارف بين الناس . قوله : ( وقرئ ) أي قراءة شاذة وفيها دليل لمن يقول إنهما ليسا ملكين حقيقيين وإنما هما رجلان صالحان ، وسيما بذلك لحسنهما وصلاحهما على حد ما قيل في يوسف ( ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم ) . قول : ( الكائنين ) قدرة إشارة إلى أن ببابل جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للملكين . قوله : { بِبَابِلَ } ممنوع من الصرف للعلمية ، أو العجمية مأخوذ من البلبلة لأن أهلها يتكلمون بثمانين لغة ، وأول من اختطفها نوح وسماها ثمانين . قول : { هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ } هما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة ، ويجمعان على هواريت ومواريت ، أو على هوارية وموارية مأخوذان من الهرت والمرت وهو الكسر ، ولكن حيث قلنا إنهما أعجميان فلا يتصرف فيهما أحد ولا يعلم لهما اشتقاق . قوله : ( هما ساحران ) قدم هذا القول إشار لقوته وأنهما رجلان ساحران وليسا بملكين . قوله : ( ابتلاء من الله ) أي اختباراً وامتحاناً ، وقصة هاروت وماروت على القول بثبوتها ، أن الملائكة لما رأوا أعمال بني آدم الخبيثة تصعد إلى السماء قالوا سبحانك يا ربنا خلقت خلقاً وأكرمتهم وهم يعصونك ، فقال الله تعالى لهم لو ركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم فعلهم ، فقالوا سبحانك لا نعصيك أبداً ، فقال : اختاروا لكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلحهم ، فركب الله فيهما الشهوة وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والحكم بين الناس بالحق ، ونهاهما عن الشرك والقتل والزنا وشرب الخمر ، وعلمهما الله الإسم الأعظم ، فكان إذا أمسى الوقت صعدا به إلى السماء ، ثم إنه جاءت إليهما امرأة تسمى الزهرة وكانت جميلة جداً ، فلما وقع نظرهما عليها أخذت بقلوبهما فراوداها فأبت إلا أن يقتلا ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يشربا الخمر ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يسجدا للصنم ففعلا ، ثم راوداها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الذي يصعدان به إلى السماء ففعلا ، فتلته فصعدت به إلى السماء فمسخها الله كوكباً فهي الزهرة المعروفة ، فلما علما ذلك أرادا تلاوة الاسم الأعظم فلم تطاوعهما أجنحتهما ، فذهبا إلى إدريس وسألاه أن يشفع لهما عند الله ففعل ذلك ، فخيرهما الله بين عذاب الدنيا والآخرة . فاختارا عذاب الدنيا لعلمهما بانقطاعه ، فهما ببابل معلقان بشعورهما يضربان بسياط من حديد إلى يوم القيامة ، مزرقة أعينهما مسودة جلودهما ، وما زالا يعلمان الناس السحر ، وقد اختلف في صحة هذه القصة وعدمها ، فاختار الحافظ ابن حجر الأول لورودها من عدة طرق عن الإمام أحمد بن حنبل ، واختار البيضاوي ومن تبعه الثاني لأنه لم تثبت روايتها إلا عن اليهود . قوله : ( فمن تعلمه كفر ) أي إن اعتقد صحته وتأثيره . قوله : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا } معطوف على وما يعلمان من أحد إن قلت إن الأول منفي والثاني مثبت وكيف يصح عطف المثبت على المنفي ، أجيب بأنه في المعنى مثبت التقدير ويعلمون الناس السحر قائلين لهم إنما نحن فتنة فلا تكفر . قوله : { وَمَا هُم } إلخ يحتمل أن ما حجازية وهم اسمها وبضارين خبرها والباء زائدة في خبرها ، ويحتمل أنها تميمية وما بعدها مبتدأ وخبر والباء زائدة في خبر المبتدأ . قوله : ( أي اليهود ) أي جميعهم لأنهم علموا ذلك في التوارة . قوله : ( ومن موصلة ) أي وهي مبتدأ واشتراه صلتها وجملة ما له في الآخرة إلخ خبرها والجملة منها ومن خبرها سادة مسد مفعولي علم . قوله : ( باعوا ) أشار بذلك إلى أنه يطلق الشراء على البيع . قال تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [ يوسف : 20 ] . قوله : ( أن تعلموه ) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر هو المخصوص بالذم وقوله حيث أوجب لهم النار حيث تعليلية . قوله : { لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لا منافاة بينه وبين قوله ولقد علموا إلخ لأنهم علموا أنهم ليس لهم نصيب في الآخرة ، ولكن لم يعلموا أنهم لا يفلتون من العذاب الدائم . قوله : { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } صفة لمثوبة وأصلها مثوبة بوزن مفعلة نقلت ضمة الواو إلى الثاء . قوله : ( لما آثروه عليه ) أي لما قدموا السحر على ما عند الله ، وهو إشارة إلى جواب لو . قوله : { رَاعِنَا } أي اشملنا بنظرك ليفتح الله علينا ، لأنهم كانوا يقولونها عند سماعهم الوحي منه . قوله : ( أمر من المراعاة ) أي وهي المبالغة في الرعي وحفظ الغير . قوله : ( سب من الرعونة ) أي الحمق والجهل وقلة العقل أو معناها اسمع لا سمعت وعليه فهي عبرانية أو سريانية وعلى ما قاله المفسر فهي عربية ، روي أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمع اليهود يقولونها لرسول الله ، فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله لأضربن عنقه ، قالوا أو لستم تقولونها ، فنزلت الآية ونهى فيها المؤمنون عن ذلك قطعاً لألسنة اليهود عن التدليس وأمروا بما في معناها ولا يقبل التدليس الذي هو انظرنا . قوله : ( أي انظر الينا ) أشار بذلك إلى أنه من باب الحذف والإيصال ، حذف الجار فاتصل الضمير . قوله : ( سماع قبول ) أي بحضور قلب عند تلقي الأحكام ، فإنه إذا وجدت القابلية من الطالب مع نظر المعلم حصل الفتح العظيم .