Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 143-143)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَكَذَلِكَ } اسم الإشارة عائد على الهداية . قوله : ( أي كما هديناكم { جَعَلْنَاكُمْ } أي فمن الله عليهم بمنتين الأولى الهداية والثانية جعلهم خياراً عدولاً ، وجعل بمعنى صير فالكاف مفعول أول وأمة مفعول ثان . { وَسَطاً } هو في الأصل المكان الذي استوت إليه الجهات ثم أطلق وأريد منه الخصال الحميدة . فالمعنى أصحاب خصال حميدة ولا شك أن من كان كذلك فهم خيار عدول . قوله : ( خياراً وعدولاً ) أي أصحاب علم وعمل ولا يخلو زمان منهم لما في الحديث : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك وما دام القرآن موجوداً فهم موجودون " لقوله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } [ الزمر : 23 ] فلولا أن أناساً موجودون بهذه المثابة في ما بقي القرآن ، ونزول البلاء ليس دليلاً على عدم وجود الخيار ، فإن الأنبياء كانوا موجودين مع حصول الخسف والمسخ بأممهم فليسوا أعظم من الأنبياء ، ولما في الحديث : " أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث " . قوله : { لِّتَكُونُواْ } اللام للتعليل وقيل للصيرورة وعلى كل فالفعل منصوب بأن مضمرة بعدها جوازاً وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل . قوله : ( أن رسلهم بلغتهم ) هذا بيان للمشهود به قوله : ( أنه بلغكم ) هذا بيان لشهادة الرسول ، وحاصل ذلك أنه يوم القيامة توقف كفار الأمم السابقة في صعيد واحد ، ويقول الله لهم لم لم تؤمنوا بي ألم يأتكم نذير ؟ فيقولون يا ربنا ما جاءنا نذير ، فيؤتى بأنبيائهم فيقول الله لهم وهو أعلم بهم لإقامة الحجة عليهم ، ومن يشهد لكم فيقولون أمة محمد فيؤتى بهم فيقول الله : أتشهدون أن الرسل بلغت الرسالة لأممهم فكفروا بهم ، فيقولون نعم نشهد بذلك ، فتقول الأمم كيف يشهدون علينا مع كونهم متأخرين عنا ؟ فيقولون يا ربنا أخبرنا رسولنا بذلك في كتبانا عنك وهو صادق في خبره ، فيقول الله لهم ومن يزكيكم ؟ فيقولون نبينا فيؤتى به فيقول أشهد أن أمتي عدول ، وقوله على الناس إن كان المراد بهم أمم الأنبياء السابقة فعلى على بابها ، وإن كان المراد بهم الأنبياء فعلى بمعنى اللام فهي مستعملة في حقيقتها ومجازها ، وقوله : { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } أي على كفاركم وسميت شهادة وإن كانت في الواقع دعوى لعدم ردها ، ويحتمل أن على بمعنى اللام والضمير عائد على العدول الشاهدين على الأمم السابقة من حيث تزكيته لهم . قوله : { وَمَا جَعَلْنَا } اختلف في إعراب هذه الآية فدرج المفسر على أن قوله : { ٱلْقِبْلَةَ } مفعول ثان لجعلنا مقدم ، وقوله : { ٱلَّتِي } صفة لموصوف محذوف مفعول أول ، ودرج غيره على العكس وهو أن القبلة مفعول أول والتي صفة لموصوف محذوف مفعول ثان والأقرب الأول ، وحاصل ذلك أن رسول الله وهو بمكة كان يصلي للكعبة ، فما هاجر إلى المدينة أمر باستقبال بيت المقدس تأليفاً لليهود فصلى لها سبعة عشر أو ستة عشر شهراً ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشم منهم الكبر فكانوا يقولون إن محمداً يفارق ديننا ويصلي لقبلتنا ، وكان رسول الله يحب أن يصلي للكعبة حتى نزل عليه جبريل يوماً فقال له يا جبريل أود أن الله يحولني لقبلة أبي إبراهيم فسل ربك ذلك ، فقال له أنت أكرم عليه مني ، ثم صعد إلى السماء فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر لجهتها منتظراً للإذن في ذلك ، فنزل عليه جبريل بعد ركعتين من صلاة الظهر في رجب بالأمر بالتحويل للكعبة فتحول وتحولت الناس معه . وكان يوماً مشهوداً فافتتن اليهود وأهل النفاق . قوله : ( علم ظهور ) جواب عما يقال إن علم الله قديم فلا يتجدد ، والمعنى ليظهر لكم متعلق علمنا بتمييز المؤمن من الكافر . قوله : ( فيصدقه ) أي يدوم على صدقه . قوله : ( أي يرجع للكفر ) أشار بذلك إلى أن قوله ممن ينقلب على عقبيه ليس على حقيقته ، لأن الانقلاب على العقب معناه الرجوع لخلف وليس مراداً بل هو كناية عن الرجوع للكفر ، نظير ( إن الذين اتردوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ) . قوله : ( وقد ارتد ذلك ) أي التحويل والمعنى ظهر كفرهم ، وإلا فمتى صبغ القلب بالإيمان فلا يزول لأن الكريم إذا مَنَّ تمم . قوله : { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي فكان عيداً لهم حتى صار فضل من صلى مع النبي للقبلتين أعظم ممن أتى بعد ذلك ، قال صاحب الجوهرة : والسابقون فضلهم نصاً عرف . قوله : ( أي صلاتكم ) عبر بالإيمان عن الصلاة لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين . قوله : ( لأن سبب نزولها إلخ ) وسبب ذلك شبهة ألقاها حيي بن أخطب للمسلمين ، وهي أن استقبالكم لبيت المقدس لا يخلو إما أن يكون هدى فقد انتقلتم الآن إلى ضلال ، وإما أن يكون ضلالاً فلم أقركم عليه ، وأيضاً من مات قبل التحويل مات على الضلال وضاعت أعماله ، فشق ذلك على أقارب من مات قبل التحويل فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية ، وتحويل القبلة أول نسخ ورد في الشرع . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ } هذا كالدليل لما قبله أي لم يضيع صلاتكم لكونه رؤوفاً رحيماً . قوله : ( للفاصلة ) أي التي هي قوله إلى صراط مستقيم فهي على الميم فيهما .