Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 150-151)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ } هذا هو حكمة التولية أي فما أمرناكم بالتوبة لأجل انتفاء حجة الناس عليكم ، واللام هذه لام كي وإن مصدرية ولا نافية ويكون منصوب بأن ، وللناس خبرها مقدم وحجة اسمها مؤخر وعليكم حال من حجة لأنه نعت نكرة تقدم عليها ، قوله : ( أي لتنتفي إلخ ) هذا حل معنى لا حل إعراب ، ولو حله حل إعراب لقال لعدم كون حجة ثابتة للناس عليكم قوله : ( أي مجادلة ) أي جدال في الباطل واعتراض وليس المراد بها المجادلة في الحق وإظهار حجته قوله : ( من قول اليهود ) هذا بيان للمجادلة ، قوله : ( وقول المشركين ) أي فقد زال ذلك وأما قولهم ما زال محمد في حيرة فباقية لم تزل ، قوله : ( فإنهم يقولون ) أي اليهود ، والحاصل أن الحجج أربع : لليهود حجتان وللمشركين كذلك ، أما حجة اليهود فهي ما له يصلي لقبلتنا ولا يتبع ديننا وأما حجة المشركين فهي يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته ، وهاتان الحجتان قد انقطعتا وبقيت حجة لكل ، أما حجة اليهود فقولهم ما تحول إليها إلا ميلاً لدين الجاهلية ، وأما حجة المشركين فقولهم لم يزل محمد في حيرة ، قوله : ( والإستثناء متصل ) أي لأن ما قبله ظالمون أيضاً ، وقوله : ( تخافوا جدالهم ) أي لا يقدرون على إيصال نفع ولا دفع ضرر ، قوله : ( عطف على لئلا يكون ) أي فتحويل القبلة لحكم عظيمة الأولى تمييز المؤمن من غيره ، الثانية انقطاع الحجج ، الثالثة إتمام النعمة ، الرابعة الإهتداء إن قلت إن مقتضى هذه الآية إن النعمة تمت الآن ومقتضى ما يأتي في سورة المائدة في قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] أنها لم تتم إلا حين نزولها وهو يوم عرفة في حجة الوداع . أجيب بأن النعمة مقولة بالتشكيك ، فالمراد بها هنا استقبال الأشرف الذي هو الكعبة والمراد بها هنا الدين ، قوله : { مِّنْكُمْ } هذه نعمة أخرى فوق أصل الإرسال لأنه لو كان ملكاً لما استطاعوه لأن علة الإنضمام المجانسة ، قوله : ( القرآن ) خصه من دون المعجزات لأنه باق إلى الآن . قوله : ( يطهركم من الشرك ) أي حتى صرتم عدولاً تشهدون على الناس يوم القيامة ، ويصح أن يقال معنى { يُزَكِّيكُمْ } يشهد لكم بالعدالة يوم القيامة . قوله : { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ } أي حتى حفظتم لفظه عن ظهر قلب لقوله في الحديث : " وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيلهم " قوله : ( ما فيه من الأحكام ) أي المعاني التي لا تحصى ، قال علي بن أبي طالب : لو أردت أن أوقر من الفاتحة حمل سبعين بعيراً لفعلت ، ومن معناه ما قال الخواص مما منَّ الله به علي أن أعطاني مائة ألف علم وتسعة وتسعين ألفاً من علوم الفاتحة ، قوله : { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } عطف عام على خاص ، قوله : ( ونحوه ) أي كالتهليل والتحميد ، وإنما قال بالصلاة لأن الذكر إما باللسان أو الجوارح أو بالجنان ، ولا شك أن الصلاة جامعة لكل ذكر ، فالقراءة والتكبير والتسبيح والدعاء ذكر لساني ، والركوع والسجود ذكر بالجوارح والخشوع والخضوع والمراقبة ذكر قلبي ، قوله : أي خالياً وبعيداً عن الخلق ، قوله : ( ذكرته في نفسي ) أي أعطيه عطايا لا يعلمها غيري ، قوله : ( ومن ذكرني في ملأ ) أي بين الناس ، قوله : ( ذكرته في ملأ ) أي أعطيته عطايا ظاهرة لعبادي وأظهر فضله لهم ، إن قلت إن الإنسان قد يذكر الله بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كالصحابة فأي ملأ خير من النبي ، قلت أجيب بأن الشيء يشرف بما نسب إليه ، فإن المجلس ينسب لكبيره وفرق بين حضرة الله وملائكته ، وبين حضرة النبي وأصحابه ، وأيضاً كون النبي في حضرة الله اشرف من نفسه في حضرة أصحابه ، فمعنى قوله خير من ملئه ذكرته في حضرة النبي والملائكة المقربين في الملأ الأعلى ، ولا شك أن تلك الحضرة لا يعدلها شيء أبداً ، والملأ بالقصر الجماعة الأشراف قوله : ( خير ) بالجر صفة الملأ وقيل معنى اذكروني تذللوا لجلالي ، أذكركم أكشف الحجب عنكم وأفيض عليكم رحمتي وإحساني وأحبكم وأرفع ذكركم في الملأ الأعلى لما في الحديث : " ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً " وفي الحديث أيضاً " إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل : إني أحب فلاناً فأحبه " فيحبه جبريل ، ثم ينادى في السماء إن الله يجب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض " وهذا من جملة الثمرات المعجلة ، وأما المؤجلة فرؤية وجهه الكريم ورفع الدرجات وغير ذلك وينبغي للإنسان أن يذكر الله كثيراً لقوله تعالى : { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] ولا يلتفت لواش ولا رقيب ، لقول السيد الحفني خطاباً للعارف بالله تعالى إستاذنا الشيخ الدردير : @ يا مبتغي طرق أهل الله والتسليك دع عنك أهل الهوى تسلم من التشكيك إن اذكروني لرد المعترض يكفيك فاجعل سلافاً الجلالة دائماً في فيك @@ ولا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه ، فربما ذكر مع غفلة يجر لذكر مع حضور ، لأنهم شبهوا الذكر بقدح الزناد ، فلا يترك الإنسان القدح لعدم إيقاده من أول مرة مثلاً بل يكرر حتى يوقد ، فإذا ولع القلب نارت الأعضاء فلا يقدر الشيطان على وسوسته ، لقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ } [ الأعراف : 201 ] وخفت العبادة على الأعضاء فلا يكون على الشخص كلفة فيها ، قال العارف : @ إذا رفع الحجاب فلا ملالة بتكليف الإله ولا مشقة @@ ويكفي الذاكر من الشرف قول قول الله تعالى في الحديث القدسي " أنا جليس من ذكرني " وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ الأنفال : 45 ] وهل الأفضل الذكر مع الناس أو الذكر في خلوة ، والحق التفصيل ، وهو إن كان الإنسان ينشط وحده ولم يكن مدعواً من الله لهداية الناس فالخلوة في حقه أفضل ، وإلا فذكره مع الناس أفضل إما لينشط أو ليقتدي الناس به ، نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذكره .