Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-168)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } هذه الآية ودرت لاستعظام ما وقع من بعض بني آدم من الكفر بعد ثبوت البراهين القطعية ، كأن الله يقول : اعجبوا لكفر بعض العبيد مع ثبوت الآدلة على وحدانيته تعالى ، والجار والمجرور خبر مقدم ، ومن يتخذ مبتدأ مؤخر ، وهو اسم موصول وما بعد صلته أو نكرة موصوفة وما بعده صفة ، قوله : { مِن دُونِ ٱللَّهِ } هي في الأصل ظرف مكان للمكان الأدنى ، يقال : جلس فلان في مكان دون مكان زيد يعني أدنى منه ، ثم أطلق الدون ، وأريد الغيرية من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم لكن صار حقيقة عرفية في الغير . قوله : { أَندَاداً } مفعول يتخذ وقوله يحبونه صفة لأنداداً ، وفاعل يحبونهم عائد على من باعتبار المعنى وأفرد في يتخذ مراعاة للفظ . قوله : ( أي كحبهم له ) أي كحب المشركين فقد سووا في المحبة بين الله والأنداد ، ويحتمل أن المعنى كحب المؤمنين لله فمحبة المؤمنين لله فمحبة المشركين للأصنام كمحبة المؤمنين لله وهو الأقرب ، واستشكل الأول بأنه لا يتأتى من عاقل التسوية في المحبة بين من يخلق ومن لا يخلق ، أجاب المفسر بأن المراد بالحب التعظيم والخضوع وليس المراد الحب الحقيقي ، فإن كل إنسان جبل على محبة خالقه . قوله : { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي فقد انفرد المؤمنون بمحبة الله ، وأما محبة مثل الأنبياء والأولياء فمن المحبة لله ، إن قلت إن الكفار كذلك يحبون الأنداد ليقربوهم إلى الله زلفى فيقتضي أنها أيضاً من المحبة لله . أجيب بأنهم كفروا بعبادتهم لهم لا بمجرد المحبة ففرق بين المحبة والعبادة ، فلا يعبد إل الله لا غيره ، بخلاف المحبة من أجل كون ذلك المحبوب مقرباً مثلاً من الله كالأنبياء والأولياء ولذلك من عبدهم فقد كفر . قوله : ( لأنهم لا يعدلون عنه بحال ) أي فهذا وجه الأشدية . وحاصل ما قرره المفسر أن المشركين سووا الأنداد في المحبة بالله ، والمؤمنين انفردوا بمحبة الله ، ومع ذلك فهي أشد من محبة المشركين للأنداد ، وقرر غيره أن قوله تعالى : { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أي من جهة أن المحبة من الطرفين ، فالمؤمنون يحبون الله ويحبهم الله ، وأما المشركون فلا يخلو إما أن يكون معبودهم عاقلاً أم لا فالأول يلعنهم ولا يحبهم ، والثاني لا يوصف بحب ولا بغض على أنه يصير حصباً لهم في نار جهنم يعذبون به ، فمبحة الله للعبد سابقة على محبة العبد لله ، لأن الله هو الخالق للخير والهدى في القلوب ، فحيث خلق الله في قلب الشخص النور والهدى والمحبة وفق العبد للرضا عنه ومحبته له وامتثاله أمره ونهيه ، ولذا قال بعض العارفين : @ أيها المعرض عنا إن إعراضك منا لو أردنا جعلنا كل ما فيك يردنا @@ وإنما قال أشد حباً ولم يقل أحب ، لأن اسم التفضيل لا يصاغ من الفعل المبني للمجهول ، وحيث اختل منه شرط توصل له بأشد أو أشدد . قوله : { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أظهر في محل الإضمار زيادة في التشنيع عليهم ، والمراد بالظلم الكفر . قوله : ( باتخاذ الأنداد ) الباء للسببية ومفعول ظلموا محذوف تقديره أنفسهم . قوله : ( يبصرون ) على القراءة الأولى هو بضم الياء مع سكون الباء وكسر الصاد ، وعلى الثانية بضم الياء وفتح الباء مع تشديد الصاد . قوله : { ٱلْعَذَابَ } مفعول لقوله يرون . قوله : ( لرأيت أمراً عظيماً ) هذاهو جواب لو الشرطية . قوله : ( إذ بمعنى إذا ) جواب عن سؤال وهو أن إذ ظرف للماضي ورؤية العذاب مستقبل فالمحل لإذا فأجاب بذلك أو أنه نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق الحصول . قوله : ( أي لأن ) أشار بذلك إلى أنه علة لجواب لو أي رأيت أمراً عظيماً لكون القوة جميعها لله ، فلا تخش من إمهالهم الفوات والهروب . قوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } هذا لدفع توهم الكافر أنه وإن كانت له القوة جميعاً يمكن أن يسامح في ذلك فقال إن الله شديد العذاب . قوله : ( قيل ضمير السامع ) أي والذين ظلموا مفعوله والجواب محذوب تقديره لرأى أمراً فظيعاً . قوله : ( فهي بمعنى يعلم ) أي فتنصب مفعولين . قوله : ( وأن ) أي الأولى . قوله : ( سدت مسد المفعولين ) أي فهذا موجب فتحها ، ويجوب فتحها أيضاً تأويلها بمصدر . قوله : ( والمعنى ) أي على هذا الوجه الأخير . قوله : ( وقت معاينتهم ) هذا تفسير لإذ . قوله : ( لما اتخذوا ) هذا هو جواب الشرط . قوله : ( إي الرؤساء ) أي كفرعون والنمروذ وعبد الله بن سلول وحيي بن أخطب وغيرهم . قوله : ( أي أنكروا إضلالهم ) أي قالوا يا ربنا لم نضل هؤلاء بل ضلوا في أنفسهم وكفروا بإرادتهم . قوله : ( عنهم ) أشار بذلك إلى أن الباء بمعنى عن على حد ( فاسأل به خبيراً ) . قوله : ( من الأرحام ) قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [ عبس : 34 - 36 ] . قوله : ( ونتبرأ جوابه ) أي فهو منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية . قوله : { كَذَلِكَ } أي يتحاجون ولا تنفعهم المحاججة . قوله : ( وتبرأ بعضهم ) معطوف على أراهم أي مثل ما أراهم شدة العذاب ومثل ما تبرأ بعضهم يريهم . قوله : { أَعْمَالَهُمْ } أي جزاءها . قوله : ( حال ) أي من أعمالهم . قوله : ( ندامات ) جمع ندامة . قوله : ( ونزل فيمن حرم السوائب ) أي وهم قبائل العرب حرموا أموراً لم يرد تحريمها من الشرع ، والسوائب جمع سائبة والمراد بها في عرف الجاهلية الناقة أو البعير المنذورة للصنم . كان يقول الواحد منهم : إن قدمت من سفري فناقتي أو بعيري سائبة للأصنام ، فتصير لا ملك لأحد عليها ولا تؤكل وإن ذكيت . قوله : ( ونحوها ) أي كالبحيرة والوصيلة والحام ، فالبحيرة هي المنذورة اللبن للأصنام ، والوصيلة التي تبكر بالأنثى ثم تتبعها بالأنثى فإن الأم صارت عتيقة الأنصام لا يحمل عليها ولا يؤكل لبنها ولا لحمها ، والحام فحل الإبل يضرب مدة في الإبل معلومة فإذا استوفاها صار عتيقاً للأصنام ، وسيأتي إيضاح ذلك . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } هذا خطاب لأهل مكة ولا ينافيه كون السورة مدنية فإن ذلك من حيث النزول . قوله : { مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ } من للتبعيض لأن بعض ما في الأرض لا يجوز أكله ، كالحجارة والخنزير وما رود تحريمه . قوله : ( صفة مؤكدة ) أي فمعنى الطيب الحلال ، وقوله : ( أي مستلذاً ) أي لنفس المؤمن وهو ما عدا الحرام ، هكذا في نسخة ، وفي نسخة أخرى أو مستلذاً وهي أولى فعليها هو صفة مخصصة ، فإن الحلال بعضه غير مستلذ كالصبر والمر ، وبعضه مستلذ كالسمن والعسل ، والحاصل أنه إن أريد بالمستلذ الشرعي وهو ما عدا الحرام فالصفة مؤكدة ويناسبها نسخة أي مستلذاً ، وإن أريد به المستلذ الطبعي أي الذي لا يمجه الطبع فالصفة مخصصة ويناسبها نسخة أو مستلذاً . قوله : { خُطُوَاتِ } بسكون الطاء وضمها قراءتان سبعيتان ، وقرأ أبو السماك بفتح الخاء والطاء . قوله : ( أي تزيينه ) أي فأطلق الخطوات التي هي ما بين القدمين وأراد التزيين ، والجامع بينهما الإتباع في كل . قوله : { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ } هذا علة للنهي عن ابتاع تزيينه . قوله : ( بين العداوة ) أي للصالحين . وأما غيرهم فلا يظهر عداوته لمصاحبتهم له ، ويقرب ذلك البيت الذي فيه النور فإنه يبين فيه كل مؤذ بخلاف غيره .