Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 20-25)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } شروع في القصة الثالثة ، والمعنى نظر في الطير فلم ير الهدهد ، وكان سبب سؤاله عن الهدهد ، أنه كان دليل سليمان على الماء ، وكان يعرف موضع الماء ، ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة ، ويعرف قربه وبعده ، فينقر في الأرض ، ثم تجيء الشياطين فيحفرونه وستيخرجون الماء في ساعة يسيرة ، قيل لما ذكر ذلك ابن عباس قيل له : إن الصبي له فخاً ويحثوا عليه التراب ، فيجيء الهدهد وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ، فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء والقدر ، ذهب اللب وعمي البصر ، قيل ولم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد . قوله : ( فتستخرجه الشياطين ) أي بأن تسلخ وجه الأرض عن الماء ، كما تسلخ الشاة ؟ قوله : { مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } استفهام استخبار . قوله : { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } { أَمْ } منقطعة تفسر ببل والهمزة ، كأنه لم يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره ، فقال : { مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } ثم احتاط فظهر له أنه غائب فأضرب عن ذلك ، وهو إضراب انتقالي . قوله : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } الحلف على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، فأو بين الكلمتين للتخيير ، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما ، فهي في الأخير بمعنى إلا . قوله : ( بنتف ريشه ) هذ أحد أقوال في معنى التعذيب ، وقيل هو أن يحشره مع غير أبناء جنسه ، وقيل هو أن يطلى بالقطران ويوضع في الشمس . قوله : ( بنون مشددة ) الخ ، أي والقراءتان سبعيتان . قوله : { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي حجة ظاهرة على غيبته ، والسبب غيبة الهدهد ، أن سليمان عليه السلام ، لما فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، فتجهز للمسير واستصحب جنوده من الجن والإنس والطير والوحش فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم ، أقام ما شاء الله أن يقيم ، أي من غير صلاة بالكعبة كراهة في الأصنام ، ولم يكن مأموراً بتكسيرها ، فاندفع التعارض بين ما هنا وما تقدم ، وكان ينحر في كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف قومه : إن هذا المكان يخرج منه نبي عربي ، صفته كذا وكذا ، ويعطى النصر على جميع من عاداه ، وتبلغ هيبته مسافة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله ؟ قال بدين الله الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، قالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله ؟ قال مقدار ألف سنة ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحاً وسار نحو اليمن ، فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضاً حسناء تزهو خضرتها ، فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : قد اشتغل سليمان بالنزول ، فارتفع نحو السماء ينظر إلى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك ، فبينما هو ينظر يميناً وشمالاً ، رأى بستاناً لبلقيس ، فنزل اليه فإذا هو بهدهد آخر ، وكان اسم هدهد سليمان يعفور ، وهدهد اليمن عفير ، فقال عفير ليعفور : من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، قال ومن سليمان ؟ قال : ملك الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والرياح ، فمن أين أنت ؟ قال عفير : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها ؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبك ملكاً عظيماً ، ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها تملك اليمن ، وتحت يدها أربعمائة ملك ، كل ملك على كورة ، مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل ، ولها ثلاثمائة وزير يدبرون ملكها ، ولها اثنا عشر قائداً ، مع كل قائد اثنا عشر ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وأما سليمان فإنه نزل على غير ماء ، فسأل عن الماء الجن والإنس فلم يعلموا ، فتفقد الهدهد فلم يره ، فدعا بعريف الطير وهو النسر ، فسأله عن الهدهد فقال : أصلح الله الملك ، ما أدري أين هو ، وما أرسلته إلى مكان ، فغضب سليمان وقال : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } الآية ، ثم دعا بالعقاب وهو أشد الطير طيراناً ، فقال له : علي بالهدهد الساعة ، فارتفع العقاب في الهواء حتى نظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدين أحدكم ، ثم التفلت يمنياً وشمالاً ، فرأى الهدهد مقبلاً من نحو اليمن ، فانقض العقاب يريده ، وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء ، فقال : بحق الذي قواك وأقدرك علي ، إلا ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فتركه العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك ، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، فصارا متوجهين نحو سليمان عليه السلام ، فلما انتهيا إلى العسكر تلقاه النسر والطير وقالا له : ويلك أين غبت في يومك هذا ؟ فلقد توعدك نبي الله ، وأخبراه بما قال سليمان ، فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله ؟ فقالوا : بلى إنه قال : { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فقال نجوت إذاً ، وكانت غيبته من الزوال ، ولم يرجع إلى بعد العصر ، فانطلق به العقاب حتى أتيا سليمان ، وكان قاعداً على كرسيه ، فقال العقاب : قد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب من الهدهد ، رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض ، تواضعاً لسليمان عليه الصلاة والسلام ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده اليه وقال له : أين كنت ؟ لأعذبنك عذاباً شديداً ، فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل ، فلما سمع سليمان عليه الصلاة والسلام ذلك ، ارتعد وعفا عنه ثم سأله : ما الذي أبطأك عني ؟ فقال الهدهد : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } إلى آخره . قوله : { فَمَكَثَ } أي الهدهد . قوله : ( بضم الكاف وفتحها ) أي فهما قراءتان سبعيتان والأول من باب قرب والثاني من باب نصر . قوله : ( أي يسيراً من الزمان ) أي وهو من الزوال إلى العصر . قوله : ( فعفا عنه ) أي من أول الأمر قبل أن يذكر العذر . قوله : ( وسأله عما لقي في غيبته ) قدره إشارة إلى أن قوله : { فَقَالَ أَحَطتُ } الخ ، مفرع على محذوف . قوله : { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي علمت ما لم تعلمه أنت ولا جنودك وفي هذا تنبيه على أن الله تعالى أرى سليمان عجزه لكونه لم يعلم ذلك مع كون المسافة قريبة وهي ثلاث مراحل . قوله : ( بالصرف وتركه ) أن فيما قراءتان سبعيتان فالصرف نظراً إلى أنه اسم رجل وتركه نظراً إلى أنه اسم القبيلة للعلمية والتأنيث . قوله : ( اسمها بلقيس ) بالكسر بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكاً عظيم الشأن . قد ولد له أربعون ملكاً هي آخرهم ، وكان الملك يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤاً لي ، وأبى أن يتزوج منهم ، فخطب إلى الجن فزوجوه امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن ، قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب اليهم ، أنه كان كثير الصيد ، فربما اصطاد من الجن وهم على صورة الضباء فيخلي عنهم ، فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقاً ، فخطب ابنته فزوجه إياها . قوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } عطف على قوله : { تَمْلِكُهُمْ } لأنه بمعنى ملكتهم ، قال ابن عباس : كان يخدمها ستمائة امرأة . قوله : ( يحتاج اليه الملوك ) أشار بذلك إلى أن قوله : { مِن كُلِّ شَيْءٍ } عام أريد به الخصوص . قوله : { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } أي تجلس عليه ، أو وصفه بالعظم بالنسبة إلى ملوك الدنيا ، وأما وصف عرش الله بالعظم ، فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السماوات والأرض وما بينهما فحصل الفرق ، قوله : ( طوله ثمانون ذراعاً ) الخ ، وقيل طوله ثمانون وعرضه كذلك ، وارتفاعه في الهواء كذلك . قوله : ( عليه سبعة أبواب ) صوابه أبيات بدليل قوله : ( على كل بيت باب مغلق ) . قوله : { يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ } أي فهم مجوس . قوله : { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } الخ ، ذكر ذلك رداً على من يعبد الشمس وغيرها من دون الله ، لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السماوات والأرض ، عالم بجميع المعلومات . قوله : ( أي أن يسجدوا له ) أشار بذلك إلى أنه على هذه القراءة تكون { أَنْ } ناصبة ، و { لاَّ } زائدة ، و { يَسْجُدُواْ } فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، والواو فاعل ، وعليها فلا يجوز الوقف على { يَهْتَدُونَ } لأنه من تتمته ، كأنه قال : فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا الخ ، وقرأ الكسائي بتخفيف ألا ، وتوجيهها أن يقال إن لا للافتتاح ، ويا حرف تنبيه ، واسجدوا فعل أمر ، لكن سقطت ألف يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ، ووصلت الياء بسين اسجدوا ، فاتحدت القراءتان لفظاً وخطاً ، وهناك وجه آخر في هذه القراءة ، وهو أن يا حرف نداء والمنادى محذوف ، والتقدير ألا يا هؤلاء وهو ضعيف ، لئلا يؤدي إلى حذف كثير من غير ما يدل على المحذوف . قوله : ( من المطر والنبات ) لف ونشر مرتب ، فالمطر هو المخبوء في السماوات ، والنبات هو المخبوء في الأرض .