Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 45-47)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ } أي ما أوحاه الله أليك بنزول جبريل ، والمعنى تقرب إلى الله بتلاوته وترداده أنت وأمتك ، لأن فيه محاسن الآداب ومكارم الأخلاق . قوله : { مِنَ ٱلْكِتَابِ } بيان لما . قوله : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي دم على إقامتها ، بأركانها وشروطها وآدابها ، فإنها عماد الدين ، من أقامها أقام الدين ، ومن هدمها هدم الدين ، والخطاب للنبي والمراد هو وأمته ، بدليل مدحهم في آية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [ فاطر : 29 ] الآية . قوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } أي المواظبة عليها ، تكون سبباً في تطهيره عن الفحشاء والمنكر ، إذا استوفيت شروطها وآدابها ، لأن الواجب حين الاقبال على الصلاة ، التطهير من الحدث الحسي والمعنوي وتجديد التوبة ، فإذا وقف بين يدي الله ، وخشع وتذكر أنه واقف بين يدي مولاه ، وأنه مطلع عليه يراه ، فحيئنذ يظهر على جوارحه هيئتها ، وقوله : ( ما دام المرء فيها ) هذا أحد قولين ، والقول الصحيح أنها تنهى عنها في سائر الأوقات ، لما روي " أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه ، فوصف للنبي صلى الله عليه وسلم حاله فقال : إن صلاته ستنهاه ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله " . وروي عن بعض السلف ، أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ، فكلم في ذلك فقال : إني واقف بين يدي الله تعالى ، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا ، فكيف مع ملك الملوك ، وأما من صلاته بخلاف ذلك ، بأن كانت لا خشوع فيها ولا تذكر ، فإنها لا تكون سبباً في نيهه عن الفحشاء والمنكر ، بل يستمر على ما هو عليه من البعد ، لما ورد : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعداً " . قوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ } بسائر أنواعه أكبر ، أي أفضل الطاعات على الإطلاق ، لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ذكر الله " . وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً ، قالوا : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ فقال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة " فالذكر أفضل الأعمال ، وهو المقصود من تلاوة القرآن ومن الصلاة ، ولذا ورد عن الجنيد أنه كان يأيته العصاة يريدون التوبة على يديه ، فيلقنهم الذكر ويأمرهم بالإكثار منه فتنور قلوبهم . قوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } أي من خير وشر فيجازيكم . عليه . قوله : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي لا تدعوهم إلى دين الله إلا بالكلام اللين المعروف والإحسان لعلهم يهتدون ، وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي فادعوهم إلى دين الله بالإغلاظ والشدة ، وقاتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فهذه الآية بمعنى قوله تعالى : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 29 ] الآية ، وعلى هذا التقدير فالآية محكمة وهو التحقيق . قوله : ( بأن حاربوا ) الخ ، أشار بذلك إلى أن المراد بالظلم الامتناع مما يلزمهم شرعاً فلا يقال إن الكل ظالمون لأنهم كفار . قوله : ( أو يعطوا الجزية ) أي يلزموا بإعطائها . قوله : { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } أي لما روي أنه كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } الآية " وفي رواية : " وقولوا آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإذا قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم " . ومحل ذلك ما لم يتعرضوا لأمور توجب نقض عهدهم ، كأن يظهروا أن شرعهم غير منسوخ ، وأن نبينا غير صادق فيما جاء به ، وغير ذلك ، فحينئذ نقاتلهم ، ومحله أيضاً ما لم يخبرونا بخبر موافق لما في كتابنا ، وإلا فيجب تصديقهم من حيث إن الله أخبرنا به . قوله : { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } أي نفعناهم به ، بأن أعطيناهم نوره ، وظهرت ثمرته عليهم ، وهم الذين يؤمنون به ، وإلا فجميع علمائهم أوتوا الكتاب ، ولم يسلم منهم إلا القليل ، ويصح أن يكون المراد : ( ففريق من أهل الكتاب ) الخ . قوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ } أي ينكرها بعد معرفتها . قوله : ( أي اليهود ) لا مفهوم له بل النصارى والمشركون ، كذلك فالمناسب أن يقول : إلا الكافرون كاليهود .