Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 36-41)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي لا ينبغي ولا يصلح ولا يليق ، وهذا اللفظ يستعمل تارة في الحظر والمنع كما هنا ، وتارة في الامتناع عقلاً كما في قوله تعالى : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } [ النمل : 60 ] وتارة في الامتناع شرعاً كقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } [ الشورى : 51 ] . قوله : { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } ذكر اسم الله للتعظيم ، وإشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله ، لكونه لا ينطق عن الهوى ، وإذا يصح أن تكون ظرفاً معمولاً لما تعلق به خبر كان ، والتقدير وما كان مستقراً لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله ورسوله أمراً كون الخيرة لهم ، ويصح أن تكون شرطية ، وجوابها محذوف دل عليه ما قبله . قوله : { أَن يَكُونَ } اسم كان مؤخر ، والجار والمجرور خبر مقدم . قوله : ( بالتاء والياء ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالتاء ظاهرة والياء نظراً إلى الخيرة مجازي التأنيث ، أو للفصل بين العامل والمعمول . قوله : { ٱلْخِيَرَةُ } بفتح الياء وقرئ شذوذاً بإسكانها ، ومعناهما واحد وهو الاختيار . قوله : ( أي الاختيار ) أشار بذلك إلى أن الخيرة مصدر . قوله : { مِنْ أَمْرِهِمْ } حال من الخيرة . قوله : ( وأخته زينب ) أي بنت جحش ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : ( خطبها النبي وعنى لزيد ) أي بعد أن كان زوجه أولاً أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن ، كان لعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ، وقيل أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاشت بعده صلى الله عليه وسلم خمسة أشهر وقيل سنة ، وولدت لزيد أسامة ، وكانت ولادته بعد البعثة بثلاث سنين وقيل بخمس . قوله : ( فكرها ذلك ) أي كون الخطبة لزيد ، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا بنت عمتك ، فلا أرضاه لنفسي ، وكانت بيضاء جميلة ، وزيد أسود . قوله : ( ثم رضيا للآية ) أي حين نزلت الآية توبيخاً لهما . قوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلخ ، هذا من تمام ما نزل في شأنهما ، فكان المناسب للمفسر تأخير ذكر سبب النزول عن هذه الآية . قوله : { فَقَدْ ضَلَّ } أي أخطأ طريق الصواب . قوله : ( فزوجها النبي لزيد ) أي وأعطاها رسول الله عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً ودرعاً وملحفة وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر . قوله : ( ثم وقع بصره عليها ) هذا بناء على أن معنى قوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } هو حبها الذي درج عليه المفسر تبعاً لغيره ، وهذا التفسير غير لائق بمنصب النبوة لا سيما بجنابه الشريف ، وأيضاً يبعد أن النبي يخفى عليه حالها ، مع كونها بنت عمته وفي حجره . قوله : ( فقال : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي لا تفارقها . قوله : ( منصوب باذكر ) أي فهو معمول لمحذوف . قوله : ( اشتراه رسول الله ) فيه تسمح ، بل الذي في السير ، أن خديجة اشترته بأربعمائة درهم ، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الشراء صوري ، وإلا فهو كان حراً ، لأنه لم يكن الرق بالسبي مشروعاً ، لكونهم أهل فترة ، وهم ناجون ليس فيهم حربي ، والعلماء عرفوا الرق بأنه عجز حكمي سببه الكفر ، روي أن عمه لقيه يوماً بمكة ، فعرفه وضمه إلى صدره وقال له : لمن أنت ؟ قال : لمحمد بن عبد الله ، فأتوه وقالوا : هذا ابننا فرده علينا ، فقال اعرضوا عليه ، فإن اختاركم فخذوه ، فبعث إلى زيد وخيره فقال : يا رسول الله ما أختار عليك أحداً ، فجذبه عمه وقال : يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك ؟ قال : نعم هي أحب تقدم أنه تنزه عنه رسول الله ، والصواب أن يقول : إن الذي أخفاه في نفسه ، هو ما أخبره الله به ، من أنها ستصير إحدى زوجاته بعد طلاق زيد لها ، لما روي عن علي بن الحسين رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما شكى للنبي خلق زينب وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنها تريد طلاقها ، قال له رسول الله على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، وخشي رسول أن يلحقه قول الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو متبنيه ، فعاتبه الله على الكتم لأجل هذا العذر ، والحكمة في تزوج رسول الله بزينب ، إبطال حكم التبني ، والتفرقة بين ولد الصلب وولد التبني ، من حيث إن ولد الصلب يحرم التزوج بزوجته ، وولد التبني لا يحرم . قوله : ( وتزوجها ) هكذا في بعض النسخ بصيغة الأمر ، وفي نسخة ويزوجكها فعل مضارع . قوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } أي بأن لم يبق له فيها إرب وطلقها وانقضت عدتها ، وفي ذكر اسمع صريحاً دون غيره من الصحابة جبر وتأنيس له ، وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان اسمه قرآناً يتلى في الدنيا والآخرة على ألسنة البشر والملائكة ، وزاد في الآية أن قال : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي بالإيمان ، فدل على أنه من أهل الجنة ، فعلم ذلك قبل موته ، فهذ فضيلة أخرى . قوله : ( فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن ) أي ولا عقد ولا صداق ، وهذا من خصوصياته التي لم يشاركه فيها أحد بالإجماع ، وكان تزوجه بها سنة خمس من الهجرة ، وقيل سنة ثلاث ، وهي أول من مات بعده من زوجاته ، ماتت بعده بعشر سنين ، ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة ، وكانت تفتخر على أزواج النبي وتقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، وكانت تقول للنبي : جدي وجدك واحد ، وليس من نسائك من هي كذلك غيري ، وقد أنكحنيك الله ، والسفير في ذلك جبريل . قوله : ( وأشبع المسلمين خبزاً ولحماً ) أي فذبح شاة وأطعم الناس خبزاً ولحماً حتى تركوه ، ولم يولم النبي على أحد من نسائه ، كما أولم على زينب . قوله : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } إلخ ، أي فهو دليل على أن هذا الأمر ليس مخصوصاً صلى الله عليه وسلم . قوله : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي موجوداً لا محالة . قوله : { مِنْ حَرَجٍ } أي إثم . قوله : ( فنصب بنزع الخافض ) ويصح نصبه على المصدرية ، وفي هذه الآية رد على اليهود حيث عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء . قوله : ( توسعة لهم في النكاح ) أي فقد كان لداود مائة امرأة ، ولسليمان ولده سبعمائة امرأة وثلاثين سرية . قوله : { قَدَراً مَّقْدُوراً } هو من التأكيد كظل ظليل وليل أليل . قوله : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } أي أبوة حقيقية ، فلا ينافي أن أبوهم من حيث إنه شفيق عليهم وناصح لهم ، يجب عليهم تعظيمه وتوقيره . قوله : { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ } العامة على تخفيف لكن ، ونصب رسول على أنه خبر لكان المحذوفة ، وقرئ شذوذاً بتشديد { لَـٰكِن } ، و { رَّسُولَ } اسمها ، وخبرها محذوف تقديره أب من غير وراثة ، إذا لم يعش له ولد ذكر ، وقرئ أيضاً بتخفيفها ، ورفع رسول على الابتداء ، والخبر مقدر أي هو أو بالعكس ، ووجه الاستدراك رفع ما يتوهم من نفي الأبوة عنه ، أن حقه ليس أكيداً ، فأفاد أن حقه آكد من حق الأب الحقيقي بوصف الرسالة . قوله : ( فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبياً ) النفي في الحقيقة متوجه للوصف ، أي كون ابنه رجلاً ، وكونه نبياً بعده ، وإلا فقد كان به من الذكر أولاد ، ثلاث ، إبراهيم والقاسم والطيب ، ولكنهم ماتوا قبل البلوغ ، لم يبلغوا مبلغ الرجال ، فكونه خاتم النبيين ، يلزم منه عدم وجود ولد بالغ له ، وأورد عليه بمنع الملازمة ، إذ كثير من الأنبياء ، وجد لهم أولاد بالغون وليسوا بأنبياء ، وأجيب : بأن الملازمة ، ليست عقلية ، بل على مقتضى الحكمة الإلهية ، وهي أن الله أكرم بعض الرسل بجعل أولادهم أنبياء كالخليل ، ونبينا أكرمهم وأفضلهم ، فلو عاش أولاده ، اقتضى تشريف الله له جعلهم أنبياء ، لجمعهم المزايا المتفرقة في غيره فتدبر . قوله : ( وإذا نزل السيد عيسى ) إلخ ، جواب عما يقال : كيف قال تعالى : { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } وعيسى ينزل بعده وهو نبي ؟ ولا يرد على هذا ، وضع الجزية ، وعدم قبول غير الإسلام ، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث مما يخالف شرعنا ، لأن ذلك شرع نبينا عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } في هذا إشارة إلى تشريف المؤمنين عموماً ، حيث ناداهم وأمرهم بذكره وتسبيحه ، وصلى عليهم هو وملائكته ، وأفاض عليهم الأنوار وحياهم ، والمقصود من ذكر العباد ربهم كون الله يذكرهم ، قال تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] وليس المقصود منه انتفاعه تعالى بذلك ، تنزه الله على أن يصل له من عباده نفع أو ضر ، قال تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } [ الزمر : 7 ] فذكرنا لأنفسنا ، لأنه لا غنى لنا عن ربنا طرفة عين ، وإذا كان كذلك ، فلا تليق الغفلة عنه أبداً ، بل المطلوب ذكره دائماً وأبداً ، واعلم أن الله تعالى لم يفرض فريضة على عباده ، وإلا جعل لها حداً معلوماً ، وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فلم يجعل له حداً ، ولم يعذر أحداً في تركه ، إلا من كان مغلوباً على عقله ، ولذا أمرهم به في جميع الأحوال ، قال تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [ النساء : 103 ] ففيه إشارة إلى أن الذكر أمره عظيم وفضله جسيم .