Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-13)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ } الجار والمجرور متعلق بمحذوف قدره المفسر بقوله : ( سخرنا ) بدليل التصريح به في قوله تعالى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ } [ ص : 36 ] . قوله : ( بتقدير تسخير ) أي فالجار والمجرور خبر مقدم ، و { ٱلرِّيحَ } مبتدأ مؤخر على حذف مضاف ، والأصل وتسخير الريح كائن لسليمان ، فحذف المضاف إليه مقامه . قوله : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } مبتدأ وخبر ، والمعنى سيرها من الغداة إلى الزوال ، مسيرة شهر للسائر المجد ، ومن الزوال للغروب مسيرة شهر ، عن الحسن : كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل في اصطخر ، وبينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من اصطخر فيبيت ببابل ، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع ، وتقدم أن الريح تحمل البساطة بجيوشه لأي جهة توجه إليها ، فالعاصف تقلع البساط ، والرخاء تسيره . قوله : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أي جعلنا النحاس في معدنه جارياً كالعين النابعة من الأرض ، وكانت تلك العين باليمن . قوله : ( فأجريت له ثلاثة أيام ) قيل : مرة واحدة ، وقيل : كان يسيل في كل شهر ثلاثة أيام . قوله : ( وعمل الناس ) إلخ ، مبتدأ خبره قوله : ( مما أعطي سليمان ) أي صنع الناس ، وإذابته بالنار من آثار كرامة سليمان ، لأنه قبل ذلك لم يكن يلين بنار ولا غيرها . قوله : { مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ } يصح أن يكون مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله ، ويصح أن يكون مفعولاً لمحذوف تقديره : وسخرنا من الجن من يعمل ، ومن على كل حال واقعة على فريق . قوله : ( بطاعته ) أي بطاعة سليمان . قوله : ( بأن يضربه ملك ) إلخ ، أي فقد وكل الله ملكاً بالجن المسخرين لسليمان ، وجعل في يده سوطاً من نار ، فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ، ضربه الله بذلك السوط ضربة أحرقته . قوله : ( أبنية مرتفعة ) أي مساجد وغيرها ، وسميت بذلك لأن صاحبها يحارب فيها غيره لحمايتها ، وقيل : المراد بالمحاريب خصوص المساجد ، والأقرب ما قاله المفسر ، وليس المراد بها الطاقات التي تقف فيها الأئمة في المساجد ، إذ هي حادثة في المساجد بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسميت بالمحاريب تشبيهاً لها بالأبنية المرتفعة ، لأنها رفيعة القدر ، ولذا خصوها بالأئمة . قوله : { وَتَمَاثِيلَ } قال بعضهم : إنها صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والعلماء ، كانت تصور في المساجد ليراها الناس ، فيزدادوا عبادة واجتهاداً ، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصورة " أي ليذكروا عبادتهم ، فيجتهدوا في العبادة . قوله : ( ولم يكن اتخاذ الصور حراماً ) إلخ ، جواب عما يقال : إن اتخاذ الصور حرام ، فكيف يليق اتخاذها من سليمان ؟ واعلم أن اتخاذها على العباد . قوله : ( وهي حوض كبير ) أي وسمي جابية ، لأن الماء يجبى فيه أي يجمع . قوله : { آلَ دَاوُودَ } المراد سليمان وأهل بيته . قوله : { شُكْراً } مفعول لأجله ، أي اعملوا لأجل الشكر لله ، على ما أعطاكم من تلك النعم العظيمة التي لا تضاهى ، وهذا أعظم المقاصد ، وهو العمل لأجل شكر الله على نعمه ، فالواجب على العباد خدمة الله وطاعته لذاته وسابق نعمه عليهم حيث أوجدهم من العدم ، وجعل لهم السمع والبصر والأفئدة والعافية ، وغير ذلك من أنواع النعم التي لا تحصى . قوله : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } أي لكون هذا المقصد عزيزاً ، لم يوفق إلا القليل من الناس ، وغالب الناس عبادتهم وطاعتهم ، إما لأجل طلب الدنيا ، أو خوفاً من النار وطمعاً في الجنة . فائدة - من جملة عمل الجن لسليمان بيت المقدس ، وذلك أن داود ابتدأ بناءه في موضع فسطاط موسى التي كان ينزل فيها ، فرفعه قدر قامة ، فأوحى الله إليه لم يكن تمامه على يديك ، بل على يد ابن لك اسمه سليمان ، فلما قضى على داود ، واستخلف سليمان وأحب إتمامه ، جمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال ، فأرسل بعضهم في تحصيل الرخام ، وبعضهم في تحصيل البلور من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح ، فلما فرغ منها ، ابتدأ في بناء المسجد ، فوجه الشياطين فرقاً منهم من يستخرج الجواهر واليواقيت والدر الصافي في أماكنها ، ومنهم من يأتيه بالمسك والطيب والعنبر من أماكنه ، فأتي من ذلك بشيء كثير ، ثم أحضر الصناع لنحت تلك الأحجار ، واصلاح تلك الجواهر ، وثقب تلك اليواقيت واللآلئ ، فبناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وجعل عمده من البلور الصافي ، وسقفه بأنواع الجواهر ، وبسط أرضه بالعنبر ، فلم يكن على وجه الأرض يومئذ بيت أبهى ولا أنور منه ، فكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلم يزل على هذا البناء حتى غزاه بختنصر ، فخرب المدينة وخدمه ، وأخذ ما فيه من الذهب والفضة وسائر أنواع الجواهر ، وحمله إلى ملكه بالعراق حين بطرت بنوا إسرائيل النعم ، وقتلوا زكريا ويحيى ، وكان ابتداء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملك سليمان ، وكان عمره سبعاً وستين سنة ، وملك وهو ابن سبع عشرة ، وكان ملكه خمسين سنة ، وقرب بعد فراغه منه ، اثني عشر ألف ثور ، ومائة وعشرين ألف شاة ، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيداً ، وقام على الصخرة رافعاً يديه إلى الله تعالى بالدعاء وقال : اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان ، وقويتني على بناء هذا المسجد ، اللهم فأوزعني شكرك على ما أن أنعمت علي ، وتوفني على ملتك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه ، ولا خائف إلا أمنته ، ولا سقيم إلا شفيته ، ولا فقير إلا أغنيته والخامسة أن لا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه ، إلا من أراد إلحاداً ، أو ظلماً يا رب العالمين ، وروي أن سليمان لما بنى بيت المقدس ، سأل الله تعالى خلالاً ثلاثاً : حكماً يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بنائه ، أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ، إذا علمت ذلك ، فبيت المقدس تم بناؤه وهو حي ، وهو الصحيح .