Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 53-55)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } الخ ، سب نزولها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه : كيف تدعوني إلى دينكن وأنت تزعم أنه من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاماً يضاعف له العذاب ، وأنا فعلت ذلك كله ؟ فأنزل الله { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } [ الفرقان : 70 ] فقال وحشي : هذا أمر شديد ، لعلي لا أقدر عليه ، فهل غير ذلك ؟ فأنزل الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] أراني بعد في شبهة ، أيغفر لي أم لا ؟ فنزلت هذه الآية ، فقال وحشي : نعم ، الآن لا أرى شرطاً ، فأسلم ، وهذه الآية عامة لكل كافر وعاص ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ومن ثم قيل : إنها أرجى آية في كتاب الله تعالى ، وفيها من أنواع المعاني والبيان أمور حسان ، منها : إقباله تعالى على خلقه ونداؤه إياهم . ومنها : إضافتهم إليه إضافة تشريف ، ومنها : التفات من التكلم إلى الغيبة في قوله : { مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } . ومنها : إضافة الرحمة لأجل أسمائه ، الجامع لجميع الأسماء والصفات ، وهو لفظ الجلالة . ومنها : الإتيان بالجملة المعرفة الطرفين المؤكدة بأن وضمير الفصل في قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } للإشارة إلى أنه تعالى لا وصف له مع عباده إلا الغفران والرحمة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، أن الله تعالى لما شدد على الكفار التشديد العظيم في قوله { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ الزمر : 47 ] الآية ، أتبعها بذكر عظيم غفرانه ورحمته لمن آمن ، ليجمع العبد بين الرجاء والخوف . قوله : { ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي فرطوا في الأعمال الصالحة ، وارتكبوا سيئ الأعمال ، وأكثروا منه . قوله : { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } إن قلت : إن في هذا إغراء بالمعاصي ، واتكالاً على غفرانه تعالى ، وهو لا يليق . اجيب : بأن المقصود تنبيه العاصي على إنه ينبغي له أن يقدم على التوبة ، ولا يقنط من رحمة الله ، وليس ذلك إغراء بالمعاصي ، بل هو تطمين للعصاة ، وترغيب لهم في الإقبال على ربهم . قوله : ( بكسر النون وفتحها ) أي من باب جلس وسلم وهما سبعيتان . قوله : ( وقرئ بضمها ) أي من باب دخل ، وهي شاذة . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } أي إشراكاً أو غيره ، وهو مقيد بالتوبة كما قال المفسر ، لأن بها يخرج العاصي من ذنوبه كيوم ولدته أمه لما في الحديث : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " وأما من مات مسلماً ولم يتب من ذنوبه فأمره مفوض لربه ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر جرمه ، ثم يدخله الجنة ، وأما من مات مشركاً ، فلا يغفر له بنص قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 48 ] ومن هنا قيل : رحمة الله غلبت غضبه ، لأن دار الغضب مخصوصة بمن مات مشركاً ، بخلاف دار الرحمة ، فهي لمن عدا ذلك . قوله : ( لمن تاب من الشرك ) إنما خص الشرك ، لأن التوبة منه مقبولة قطعاً بنص قوله تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] بخلاف التوبة من غير الشرك ، ففيها قولان : قيل مقبولة ظناً ، وقيل قطعاً ، والفرق أن تعذيب العاصي تطهير ، وتعذيب الكافر غضب ، فمآل العاصي للجنة ، وإن طالت مدته في النار ، لأن معاملته بالفضل والرحمة بخلال الكافر ، فمعاملته بالعدل . قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } تعليل لما قبله ، وهذان الوصفان يكونان لمن تاب ، فالغفران له دخول الجنة . قوله : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } أتى بهذه الآية عقب التي قبلها لئلاً يتكل العاصي على الغفران ، ويترك التوبة والرجوع إلى الله ، فأفاد أن الرجوع إلى الله والإقبال عليه مطلوب ، ومن ترك ذلك فله الوعيد العظيم . قوله : ( إن لم يتوبوا ) راجع لقوله : { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ } . قوله : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } أي على لسان أحسن نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا معطوف على قوله : { وَأَنِـيبُوۤاْ } والمعنى : ارجعوا إلى ربكم ، والزموا أوامر أحسن كتاب أنزل إليكم ونواهيه ، وهذا الخطاب عام للأولين والآخرين من لدن آدم إلى يوم القيامة ، ولكن من أدركه التكليف كلف باتباعه ، ومن لم يدركه بأن كان متقدماً عليه ، يلزمه اتباعه لو فرض أنه أدركه ، ومن هنا أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم ، إن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم واحدهم حي يلزمه اتباعه ، وفي الحديث : " لو أدركني موسى ما وسعه إلا اتباعي " وحينئذ فالمعنى : اتبعوا يا عبادي من أول الزمان لآخره ، أحسن كتاب أنزل إليكم من ربكم ، فالمكلف بها الخطاب من أدركه ومن لم يدركه ، لكم من لم يدركه مكلف به لولا مانع الموت ، ولذا كلف به من بقي حياً حتى أدركه ، كالخضر وإلياس وعيسى عليهم السم . قوله : ( القرآن ) تفسير لأحسن ، فإن ما أنزل إلينا من ربنا كتب كثيرة ، وأحسنها القرآن ، وهذا كله على ما فهم المفسر ، وقيل : معنى { أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم } الخ ، أي من القرآن وهو أوامره جون نواهيه ، أو عزائمه دون رخصته ، أو ناسخه دون منسوخه ، أو ما هو أعم ، والخطاب لخصوص هذه الآمة فتدبر .