Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-93)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } أي لا يسوع ولا يصلح لمنصف بالإيمان أن يقتل أخاه في الإيمان ، والمعنى يبعد كل البعد ، لأن شأن الإيمان الرأفة والرحمة بالإخوان ، قال تعالى مدحاً في أصحاب رسول الله ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) . قوله : { إِلاَّ خَطَئاً } الاستثناء منقطع لأن ما قبله محمول على العمد ، والمعنى لكن قد يقع خطأ ، ويصح أن يقع متصلاً ، والمعنى لا ينبغي أن يقع القتل من المؤمن للمؤمن في حال من الأحوال إلا في حالة الخطأ . قوله : ( مخطئاً ) أشار بذلك إلى أن خطأ حال ، إلا أنه مؤول باسم الفاعل . قوله : ( من غير قصد ) أي للضرب من أصله ، أو ضرب من يجوز له ضربه فصادف غيره . قوله : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً } الخ ، حاصل ما ذكره في الخطأ ثلاثة أقسام : لأن المقتول إما مؤمن ورثته وورثته مسلمون ، أو مؤمن وورثته حربيون ، أو معاهد ، فالأول فيه الدية والكفارة وكذا الثالث ، وأما الثاني ففيه الكفارة فقط ، ومن إما اسم موصول مبتدأ وقتل صلتها ، وقوله : { فَتَحْرِيرُ } خبره وقرن بالفاء لشبهه بالشرط ، وإما اسم الشرط وقتل فعله ، وقوله فتحرير جوابه والجملة خبره من حيث كونه مبتدأ . قوله : ( عليه ) أشار بذلك إلى أن قوله فتحرير مبتدأ خبره محذوف ، ويصح أن يكون خبر المحذوف ، والتقدير فالواجب عليه تحرير الخ ، أو فاعل بفعل محذوف أي فيجب عليه تحرير . قوله : { وَدِيَةٌ } معطوف على تحرير ، والدية مصدر في الأصل أطلقت على المال المأخوذ في نظير القتل ، وهو والمراد هنا ، ولذا وصفها بمسلمة ، وأصلها ودي حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث . قوله : { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أصله يتصدقوا قلبت التاء صاداً وأدغمت في الصاد هو حال من أهله ، والمعنى إلا متصدقين . قوله : ( بأن يعفو ) أي أهله وسمي العفو عنها صدقة تنبيهاً على فضله ، لأن كل معروف صدقة . قوله : ( أنها مائة من الإبل ) هذا مخصوص بأهل الإبل ، وأما على أهل الذهب فألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم . قوله : ( بنت مخاض ) أي وهي ما أوفت سنة ودخلت في الثانية . قوله : ( وكذا بنات لبون ) أي وابن اللبون ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة . قوله : ( وحقاق ) الحقة ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، وقوله : ( وجذاع ) الجذعة ما أوفت أربع سنين ودخلت في الخامسة . قوله : ( وأنها على عاقلة القاتل ) أي وهو إن كان غنياً كواحد منهم عند مالك ، وعند الشافعي ليس عليه شيء منها ، وهذه دية الخطأ ، وأما دية العمد فمغلظة من أربعة أنواع : بإسقاط ابن اللبون من كل نوع خمس وعشرون عند مالك ، إلا إذا قتل الأب ابنه عمداً غير قاصد إزهاق روحه بأن لم يذبحه ، فعليه ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ، والخلفة : الناقة الحامل ، والتغليظ عند الشافعي يكون بتلك الأنواع الثلاثة لا غير . قوله : ( إلا الأصل والفرع ) هذا مذهب الشافعي ، وأما عند مالك فلا فرق بين الأصل والفرع وغيرهما ، في أن كلاً منهما يدفع كغيره . قوله : ( على الغني منهم نصف دينار ) يؤخذ منه أن العاقلة غير محدودة بعدد ، وهو مذهب الشافعي ، وعند مالك تفرض الدية على ما زيد على ألف من أقاربه ، وقيل على سبعمائة . قوله : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ } أي بأن جاء من بلاد الكفر وأسلم عندنا ثم قتل خطأ . قوله : ( حرب ) بكسر الحاء أي محارب . قوله : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ } الخ ، أي بأن كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً . قوله : ( وهي ثلث دية المؤمن ) هذا مذهب الإمام الشافعي ، وأما عند مالك فهو على النصف من الحر المسلم ، كأنثى الحر المسلم . قوله : ( وثلثا عشرها إن كان مجوسياً ) هذا باتفاق بين مالك والشافعي ، وأنثاه على النصف منه . قوله : ( الرقبة ) قدره إشارة إلى أن مفعول يجد محذوف . قوله : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } يقال فيه من الإعراب ما قيل في { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } . قوله : ( وبه أخذ الشافعي ) أي ومالك . قوله : ( المقدر ) أي وتقديره تاب الله عليكم توبة ، ويصح أن يكون مفعولاً لأجله ، أي شرع لكم ذلك لأجل التوبة عليكم وهو الأحسن ، إن قلت : إن الخطأ ليس بذنب فما معنى التوبة منه ؟ أجيب : بأن ذلك لجبر الخلل الذي حصل منه في عدم إمعان النظر والتحفظ . قوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } مقابل قوله من قتل مؤمناً خطأ ، وقوله متعمداً أي عدواناً ليخرج المقتول قصاصاً أو حداً ، كالزاني المحصن والمحارب . وسبب نزولها : أن رجلاً يقال له مقيس بن صبابة أسلم هو وأخوه هشام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، ثم إن مقيساً وجد أخاه مقتولاً في بني النجار ، فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فأرسل معه رجلاً يقال له فهر من بني مهران إلى بني النجار ، فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أنكم إذا عرفتم عين القاتل فسلموه لمقيس ، وإن لم تعرفوه فأعطوا له الدية ، فقالوا سمعاً وطاعة إنا لا نعرف عين القاتل وأعطوه مائة بعير ! فلما ذهب من عندهم سول الشيطان لمقيس أن يقتل فهراً بدل أخيه ، فتأخر عنه وضربه فقتله وركب بعيراً وساق باقيها راجعاً إلى مكة ، وقال شعراً في ذلك : @ قَتَلْتُ بِهِ فَهْراً وَأَحْمَلْت عَقْله سَرَاة بَني النَجَّارِ أَرْبَاب قَارِع وَأَدْرَكْتُ ثَأْرِي وَاضْجَعْتُ تَوَسُّدا وَكُنْتُ إلَى الأَصْنَامِ أَوَّل رَاجِع @@ فنزلت فيه الآية ، لوما كان الفتح استثناه النبي ممن أمنه ! فقتله الصحابة وهو متعلق بأستار الكعبة ، فعلى هذا الخلود في الآية على ظاهره . قوله : { خَٰلِداً } حال من الضمير في جزاؤه . قوله : { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } معطوف على محذوف ، والتقدير حكم الله عليه بذلك وغضب الله عليه . قوله : { وَلَعَنَهُ } عطف على { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } مرادف لأن اللعنة هي الغضب . قوله : ( وهذا مؤول إلخ ) يشرع في ذكر الأجوبة عن السؤال الوارد على الآية . وحاصله أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وظاهر الآية يقتضي أن جزاء القاتل عمداً الخلود في النار ، ولو مات مؤمناً ، وليس كذلك فأجاب المفسر عن ذلك بثلاثة أجوبة : الأول أنه محمول على المستحل لذلك ، الثاني أن هذا جزاؤه إن جوزي ، أي إن عامله الله بعد له ، جازاه بذلك ، وإن عامله بفضله فجائز أن لا يدخله النار ، ولكن في هذا الجواب شيء ، لأن فيه تسليم أنه إذا جوزي يخلد في النار ، وهو غير سديد للقواطع الدالة على أنه لا يخلد في النار إلا من مات على الكفر ، وقد أجاب البيضاوي بجواب آخر : أن يحمل الخلود على طول المكث ، الثالث أشار له المفسر بقوله : ( وعن ابن عباس الخ ) . قوله : ( وأنها ناسخة ) الأولى مخصصة ، وكلام ابن عباس خارج مخرج الزجر والتشديد ، وليس على حقيقته على مقتضى مذهب أهل السنة . قوله : ( وسبق قدرها ) أي في تفسير الآية التي قبلها . قوله : ( أن بين العمد والخطأ الخ ) سبق للمفسر أنه أدخله في الخطأ بقوله أو ضربه بما لا يقتل غالباً . قوله : ( يسمى شبه العمد ) أي فأشبه العمد من حيث تغليظ الدية بكونها من ثلاثة أنواع : ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ، وأشبه الخطأ من حيث كونه لا قصاص فيه وهذا مذهب الشافعي ، وعند أبي حنيفة لا يقتص من القاتل إلا إذا قتله بآلة محددة كسيف وبندق وإلا فيلزمه الدية ، وعند مالك يقتص من القاتل إذا قتل بأي آلة ولو بضرب كف أو سوط لا بكمروحة . قوله : ( في الصفة ) أي من حيث كونها من ثلاثة أنواع : قوله : ( في التأجيل ) أي كونها على ثلاث سنين وقوله : ( والحمل ) أي كون العاقلة تحملها . قوله : ( وهو ) أي شبه العمد ، وقوله : ( أولى بالكفارة ) أي فتجب وهذا مذهب الشافعي ، وعند مالك ليس كالخطأ ، بل تستحب الكفارة فقط . قوله : ( ونزل لما نفر الخ ) هذه رواية ابن عباس في سبب نزول الآية ، روي عنه أيضاً أنها نزلت في رجل من بني مرة بن عون يقال له مرداس بن نهيك ، وكان من أهل فدك ، لم يسلم من قومه غيره ! فلما سمعوا بسرية رسول الله صلى الله عليه وسلم هربوا وبقي ذلك الرجل ، فلما رأى الخيل خاف أن لا يكونوا مسلمين ، فالجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو الجبل ، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون ، فعرف أنهم من أصحاب رسول الله ، فكبَّر ونزل وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم ، فتغشاه أساة بن زيد بسيفه فقتله واستاق غنمه ، ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه الخب ، فوجد رسول الله من ذلك وجداً شديداً ، وكان قد سبقهم الخبز ، فقال عليه الصلاة والسلام أقتلتموه إرادة ما معه ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة هذه الآية ، فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله ، فقال : كيف أنت بلا إله إلا الله يقولها ثلاث مرات ، قال أسامة : فما زال رسول الله يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذٍ ، ثم استغفر له رسول الله وقال اعتق رقبة . وروي عن أسامة أنه قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح ، فقال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفاً أم لا .