Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-3)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ } الخ ، الفتح هو الظفر بالبلاد عنوة أو صلحاً ، فشبه الظفر بالبلاد ، لفتح الباب المغلق بجامع التمكن في كل ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الفتح فتحنا بمعنى ظفرنا ، أي مكناك من البلاد ، وحذف المعمول ليؤذن بالعموم ، وأسند إلى نون العظمة اعتناء بشأن الفتح ، وإشارة إلى أن هذا الأمر لا يتيسر إلا بإرادة الله وتوفيقه . قوله : ( قضينا بفتح مكة وغيرها ) أي كخبير وحنين والطائف ونحوها ، وهو جواب عما يقال : إن الآية نزلت في رجوعه من الحديبية عام ست ، ومكة لم تفتح إلا في السنة الثامنة ، فكيف عبر بالماضي ؟ فأجاب : بأن التعبير بالماضي بالنسبة للقضاء الأزلي ، والمعنى : حكما لك في الأزل بالفتح المبين وحينئذ فالتعبير بالماضي حقيقة , وأجيب أيضاً بأن التعبير بالماضي مجاز لتحقق الوقوع ، نظير { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } [ الكهف : 99 ، يس : 51 ] . وأجيب أيضاً : بأن الفتح على حقيقته ، وأن المراد به صلح الحديبية ، لأنه أصاب فيه ما لم يصب في غيره ، قال الزهري : لقد كان فتح الحديبية أعظم الفتوح ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة ، فلما وقع الصلح ، مشى الناس بعضهم على بعض ، وعلموا وسمعوا من الله ، فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه ، فما مضت تلك السنتان ، وإلا المسلمون قد جاؤوا إلى مكة في عشرة آلاف ، وقال الشعبي في قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } هو فتح الحديبية ، لقد أصاب فيها ما لم يصب في غزوة غيرها ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبويع بيعة الرضوان ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس ا هـ . قوله : ( عنوة ) هذا مذهب مالك وأبي حنيفة ، نظراً لكون النبي وأصحابه دخلوها قهراً ، ووقوع القتال من بعض الصحابة لخالد بن الوليد وأصحابه في جهة وأسفلها ، مذهب الشافعي أنها فتحت صلحاً نظراً للظاهر ، وهو عدم حصول القتال من النبي ، وتأمينه أبا سفيان ، وهذا الخلاف يكاد أن يكون لفظياً . قوله : ( بجهادك ) متعلق بقوله : ( بفتح مكة ) وهو جواب عما يقال : إن الفتح ناشئ من الله ، والمغفرة تكون للشخص ، فكيف تترتب عليه ، وإنما الشأن أن تترتب على ما يكون من الشخص ؟ فأجاب : بأن الفتح وإن كان من الله ، لكنه تترتب على فعل النبي وهو الجهاد ، فصح أنه يترتب على الفتح المغفرة بهذا الاعتبار . قوله : ( لترغب أمتك ) علة لترتب الغفران على الفتح . قوله : ( وهو مؤول ) أي أن إسناد الذنب له صلى الله عليه وسلم مؤول ، إما بأن المراد من ذنوب أمتك ، أو هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو بأن المراد بالغفران ، الإحالة بينه وبين الذنوب ، فلا تصدر منه ، لأن الغفر هو الستر ، والستر إما بين العيد والذنب ، أو بين الذنب وعذابه ، فاللائق بالأنبياء الأول ، وبالأمم الثاني ، إن قلت : إن عصمة النبي عليه السلام من الذنوب ، حاصلة بالفعل قبل النبوة وبعدها ، فكيف تكون مرتبة على جهاده ؟ أجيب : بأن المرتب اظهارها للخلق لا هي نفسها . قوله : ( من الذنوب ) أي صغيرها وكبيرها ، عمدها وسهوها ، قبل النوبة وبعدها . قوله : ( للعلة الغائية ) أي وهي المترتبة على آخر الفعل ، وليست العلة باعثة لاستحالة الأغراض على الله تعالى في الأفعال والأحكام . قوله : ( لا سبب ) أي لأن السبب ما يضاف إليه الحكم ، كالزوال لوجوب الظهر ، والمغفرة ليست كذلك . قوله : ( بالفتح المذكور ) أي وهو فتح مكة وغيرها بجهادك . قوله : ( يثبتك عليه ) أي يديمك ويقويك عليه ، أو المراد يزيدك في الهداية باتباع الشريعة وأحكام الدين . قوله : ( ذا عز ) جواب عما يقال : إن العزيز وصف للمنصور لا للنصر ، وتوضيح جوابه أن فعيلاً صيغة نسبة ، أي نصراً منسوباً للعز . قوله : ( لا ذل معه ) أي لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأما مطلق النصر ، فيكون حتى لبعض الكفار في الدنيا .