Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-7)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إنما وجه الخطاب للمؤمنين ، وإن كان الكفار مخاطبين بفروع الشريعة أيضاً على الصحيح لعدم صحتها منهم إلا بالإسلام . قوله : { إِذَا قُمْتُمْ } أي اشتغلتم بها قولاً وفعلاً من قيام أو غيره . قوله : ( أي أردتم القيام ) دفع بذلك ما يقال إن مقتضى الآية أن الطهارة لا تجب إلا بعد الشروع في الصلاة ، فأجاب بأن المراد أردتم القيام ، أي قصدتموه وعزمتم عليه ، وشرعت الطهارة قبل الصلاة ، لأن المصلي يناجي ربه وهو في حضرته ، فيحتاج قبل ذلك للنظافة من الحدثين الأصغر والأكبر ، ومن الخبيثين الحسي والمعنوي كالذنوب ، ليرتب على ذلك قبول طاعته . قوله : ( وأنتم محدثون ) أي حدثاً أصغر ، وأخذ المفسر هذا من قوله فيما يأتي { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } وفيه إشارة للجواب عن إِشكال البيضاوي حيث قال ظاهر الآية أن كل قائم إلى الصلاة يجب عليه الوضوء وإن لم يكن محدثاً ، وقوله : ( وأنتم محدثون ) أي ممنوعون من الصلاة لعدم وجود الطهارة فيشمل من ولد ، ولم يحصل منه ما يوجب الوضوء إلى أن بلغ فيجب عليه الوضوء ، لأنه كان ممنوعاً من الصلاة قبل ذلك لعدم وجود الطهارة ، ولذا علق الوضوء بالقيام للصلاة . قوله : { وُجُوهَكُمْ } أي ليغسل كل منكم وجهه ولو تعدد وحده ، طولاً من منابت شعر الرأس المعتاد لآخر الذقن ، وعرضاً ما بين وتدي الأذنين ، ويخلل لحيته إن كانت خفيفة وإلا غسل ظاهرها فقط ، ويتتبع أسارير جبهته والوترة ولا يلزمه غسل داخل العينين ، وأما المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فسنة . قوله : ( أي معها ) أشار بذلك إلى أن إلى بمعنى مع ، وهذا أسهل ما قيل ، وقيل إن إلى عاد بابها من الانتهاء ، والغاية داخلة ، وقيل خارجة ، وقيل إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها دخلت وإلا فلا ، والأصح أن إلى لا يدخل ما بعدها فيما قبلها عكس حتى ، قال سيدي علي الأجهوري : @ وَفِي دُخُولِ الْغَايَةِ الأَصَحّ لاَ تَدْخُل مَع إلَى وَحَتَّى دَخَلاَ @@ وأما في الآية فإما أن يقال إنها بمعنى مع ، أو الغاية داخلة على خلاف القاعدة لوجود القرينة ، فغسل المرافق واجب لذاته ، وليس من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . قوله : ( كما بينته السنة ) أي فبينت السنة أن المرافق تغسل مع الأيدي ، ويجب تخليل أصابع الأيدي عند مالك لوجوب الدلك عنده . قوله : ( الباء للإلصاق ) وقيل للتبعيض لدخولها على متعدد ، وأما في وليطوفوا بالبيت فللإلصاق ، لدخولها على غير متعدد ، وأورد على ذلك آية التيمم ، فإن قيل إنها للإلصاق يقال أي فرق بينهما ، ولما كان هذا المعنى معرضاً ، عدل عنه المفسر وجعلها للإلصاق في كل ، وأحال بيان ذلك للسنّة . قوله : ( أي ألصقوا المسح بها ) لعل في كلام المفسر تسامحاً ، لأن المسح معنى من المعاني لا يلصق ، لأن الإلصاق لا يكون إلا بين جسمين ، إلا أن يقال المراد بالمسح آلته وهو اليد . قوله : ( من غير إسالة ماء ) بيان لحقيقة المسح من حيث هو ، لا لما لا يكفي في الوضوء ، فإن الغسل يكفي أيضاً . قوله : ( وهو ) أي المسح . قوله : ( وهو مسح بعض شعره ) وقال أبو حنيفة يجب مسح ربع الرأس ، وقال مالك وأحمد يجب مسح الجميع ، كما يجب مسح الوجه في التيمم . قوله : ( بالنصب ) أي لفظاً وهي قراءة نافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم ، وقوله : ( والجر ) أي وهي لباقي السبعة . قوله : ( على الجوار ) أي فهو في المعنى منصوب بفتحة مقدرة على آخره ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة ، واعتض هذا الحمل بأنه لم يرد الجر بالمجاورة إلا في النعت ، ومع ذلك فهو ضعيف ، والأولى أن يقال إنه مجرور لفظاً ، ومعنى معطوف على الرؤوس والمسح مسلط عليه ، ويحمل على حالة لبس الخف ، أو يقال إن المراد بالمسح الغسل الخفيف ، وسماه مسحاً رداً على من يتبع الشك ويسرف في الماء وهو بعيد . قوله : ( وهما ) أي الكعبان . قوله : ( عند مفصل ) بفتح الميم وكسر الصاد ، وأما بكسر الميم وفتح الصاد فهو اللسان ، ويجب على الإنسان في غسل رجليه أن يتتبع العقب بالغسل لما في الحديث : " ويلٌ للأعقاب من النار " وتسن الزيادة على محل الفرض عند الشافعي ، وفسر بها الغرة والتحجيل الواردين في الحديث ، وكره مالك ذلك ، وفسر الغرة والتحجيل بإدامة الطهارة . قوله : ( والفصل ) هو مبتدأ وخبره ( يفيد ) وقصده بذلك تتميم الفرائض السنة عند الشافعي ، ومحصل ذلك أن الواو إن كانت لا تقتضي ترتيباً لكن وجدت قرينة تفيد الترتيب وهو الفصل بين المغسولات بالرأس الممسوح ، لكن يقال إن ذلك ظاهر في غير الوجه مع الأيدي ، وعند مالك ليس الترتيب فرضاً . وإنما هو سنة إبقاء للواو على ظاهرها ولم يعتبر تلك القرينة . قوله : ( وجوب النية ) أي لأنه عبادة ، وكل عبادة تحتاج لنية ، فتحصل أن فرائض الوضوء عند الإمام الشافعي ستة : الأربعة القرآنية ، والنية ، والترتيب . وعند مالك سبعة : الأربعة ، والنية ، والموالاة بأن لا يفرق بين أجزائه تفريقاً متفاحشاً ، والتدليل وهو إمرار باطن الكف على الأعضاء . وعند الحنفية الأربعة القرآنية لا غير . قوله : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } أي بمغيب الحشفة ، أو خروج المني بلذة معتادة في اليقظة ، أو مطلقاً في النوم ، أو الحيض ، أو النفاس ، لأن الخطاب عام للذكور والإناث . قوله : ( أي أحدث ) أي فالمجيء من الغائط كناية عن الحدث ، وعبر عنه بالغائط ، لأن العادة قضاء الحاجة في الغائط ، بمعنى المكان المنخفض . قوله : ( سبق مثله ) أي فيقال هنا جامعتم أو جسستم باليد . قوله : ( مع المرفقين ) أي فهو فرض عند الشافعي حملاً على آية الوضوء ، وعند مالك مسح المرفقين سنّة ، وإنما الفرض للكوعين . قوله : ( بضربتين ) أي فهما فرض عند الشافعي ، وعند مالك الأولى فرض والثانية سنّة . قوله : ( وبينت السنة الخ ) جواب من الشافعية والحنفية عن التعارض الواقع بين آية الوضوء وآية التيمم . قوله : ( من الوضوء والغسل والتيمم ) أي فأوجب ما ذكر عند القدرة عليه ، ووجود الماء أو الصعيد ، فإن فقدا معاً سقطت عنه الصلاة ، وقضاؤها على المعتمد عند مالك ، ويصلي ويقضي عند الشافعي . قوله : ( من الأحداث والذنوب ) أي فإذا تطهر الإنسان فقد خلص من الحدث والذنوب ، لأنه ورد أن الذنوب تتساقط مع غسل الأعضاء . قوله : ( بالإسلام ) الباء للتعدية ، والجار والمجرور متعلق بنعمة ، فهو أعظم النعم ، لأنه به ينال كل خير . قوله : { إِذْ قُلْتُمْ } ظرف لقوله : { وَاثَقَكُم بِهِ } . قوله : ( حين بايعتموه ) أي عند العقبة سنة الهجرة ، لما جاءه سبعون من الأنصار ، ورئيسهم إذ ذاك البراء بن معرور ، وكان له اليد البيضاء في الميثاق ، حتى أنه قال : والذي بعثك بالحق ، لنمنعك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحرب كابراً عن كابر ، وبايعوه على أن يقاتلوا معه الأسود والأبيض ، وكذلك بيعة الرضوان تحت الشجرة ، حين صده المشركون عن البيت ، أشاع إبليس أن عثمان قتل ، فبايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على عدم الرجوع حتى يقتلوا أو يدخلوا مكة ، وهكذا حمل المفسر على عهد النبي أصحابه ، ويحتمل أن المراد العهد الواقع يوم ألست بربكم ، فيكون المعنى : اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث خلقكم على التوحيد في عالم الأرواح ، وجعل عالم الأجساد موافقاً له ، فالإيمان نعمة عظيمة لموافقته للإجابة الواقعة يوم ألست بربكم ، وكل صحيح ، لكن إن كان المراد عهد الله الأزلي فالنسبة له ظاهرة ، وإن كان المراد عهد النبي لأصحابه ، فإسناد العهد لله ، لأنه هو المعاهد حقيقة ، قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] الآية . قوله : { سَمِعْنَا } أي سماع قبول . قوله : ( مما نحب ) أي بأن كان موافقاً لما تهزاه نفوسهم ، وقوله : ( ونكره ) أي بأن لك يكن موفقاً ، كالجهاد وأداء الزكاة مثلاً . قوله : ( بما في القلوب ) أي من الإخلاص وغيره ، فذات الصدور صفة لموصوف محذوف تقديره الأمور الخفية صاحبات الصدور التي لا يطلع عليها إلا الله .