Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-5)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَسْأَلُونَكَ } هذه الآية مرتبة على قوله : ( حرمت عليكم الميتة الخ ) فلما بين المحرمات سألوا عن الحلال ، وصورة السؤال ماذا أحل الله لنا ، وروي في سبب نزولها أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه ، فأذن له ، فلم يدخل ، فقال له النبي : قد أذنا لك يا رسول الله ، قال : أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا رافع بقتل كل كلب في المدينة ففعل ، حتى انتهى إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركه رحمة لها ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بقتله فرجع إلى الكلب فقتله ، فجاؤوا إلى رسول الله فقالوا له : ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ، قال : فسكت رسول الله ، فنزل { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ } الآية ، فعند ذلك أذن رسول الله في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها ، وروى الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أمسك كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط " ، وفي رواية قيراطان ، إلا كلب حرث أو ماشية ، ويؤخذ هذا الحديث أن قتل غير النافع من الكلاب مندوب ، إن لم يكن عقوراً يخشى منه الضرر ولا يندفع إلا بالقتل ، وإلا وجب قتله عند مالك . قوله : ( المستلذات ) أي الشرعية وهي ما لم يثبت تحريمها بكتاب أو سنة ، فلا يرد لحم الخنزير مثلاً إذا أتقن طبخه . قوله : { وَ } ( صيد ) { مَا عَلَّمْتُمْ } قدره إشارة إلى أن ما معطوف على الطيبات لكن على حذف مضاف ، وصيد بمعنى مصيد ، ومن الجوارح بيان لما . قوله : { مُكَلِّبِينَ } حال أي من التاء في علمتم . قوله : ( من كلبت ) أي مأخوذ من كلبت . قوله : ( أرسلته على الصيد ) أي فمعنى مكلبين مرسلين بمعنى قاصدين إرساله احترازاً عما لو ذهبت من غير إرسال وأتى بصيد فلا يؤكل ، وفسره غيره بالتعليم ، فيكون حالاً مؤكدة لعاملها ، وما قاله المفسر أوجه ، وإن رد بأنه لا مستند له في ذلك ، لأن المفسر حجة ، وعبر عن الإرسال بالتكليب ، أما إشارة إلى أن ذلك غالب في الكلاب ، أو أن الكلب يطلق على ما يصاد بع سبع وطير . قوله : ( حال من ضمير مكلبين ) أي مؤكدة إن فسر مكلبين بمعلمين ، ومؤسسة إن فسر بمرسلين ، ويصح أن يكون جملة مستأنفة موضحة لما قبلها . قوله : { مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } من للتبعيض ، وقوله : ( من آداب الصيد ) بيان لما . قوله : { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } نتيجة قوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } وقوله : { عَلَيْكُمْ } أي لكم قوله : ( بأن لم يأكلن منه ) أي فإن أكلن منه فلا يؤكل وهو داخل في قوله ما أكل السبع ، وهذا الشرط اعتبره الشافعي ، وعند مالك يؤكل ، ولو أكل منه الجارح ، فإن أدرك حياً فلا بد من ذكائه الشرعية ، فقوله : ( بأن لم يأكلن ) تفسير لقوله : { أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لأنه إن أكمل منه فليس ممسكاً لصاحبه بل لنفسه ، وقد علمت أن هذا التقييد مذهب الشافعي ، وسيأتي إيضاحه في آخر عبارة المفسر ، قوله : ( وعلامتها الخ ) ذكر أربع علامات وهي معتبرة في الكلب والسبع ، وأما في الطير كالصقر فلا يعتبر فيه إلا قيدان ، أن لا يأكل منه ، وأنه إذا أرسل استرسل . والحاصل أن المدار عند مالك في الصقر أنه إذا أرسل استرسل ، وزاد الشافعي فيه أن لا يأكل مما أمسك ، وأما في الكلب والسبع ففيه القيود الأربعة التي ذكرها المفسر ، ما عدا الأكل عند مالك قوله : ( كما في الحديثين الصحيحين ) أي ولكن هذا الحديث لم يأخذ به مالك قوله : ( وفيه ) أي في الحديث قوله : ( وذكر اسم الله عليه ) أي وهو سنّة عند الشافعي ، وعند مالك واجب مع الذكر والقدرة ، وأما النية فلا بد منها لأنها شرط صحة قوله : ( كصيد المعلم من الجوارح ) ألحق مالك بالسهم ما صيد ببندق الرصاص ، لأن قوته تقوم مقام حد السهم . قوله : { عَلَيْهِ } اختلف في مرجع الضمير ، فقيل عائد على ما علمتم من الجوارح ، وإليه يشير المفسر بقوله عند إرساله ، وقيل عائد على ما أمسكن عليكم ، أي سموا الله إذا أدركتم ذكاته . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه ، حيث بيّن لكم الحلال والحرام قوله : { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ورد أنه يحاسب الخلق في قدر نصف يوم من أيام الدنيا . قوله : { ٱلْيَوْمَ } يحتمل أن المراد باليوم المتقدم في قوله : { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهو يوم عرفة ، ويحتمل أن المراد يوم نزولها ، ويحتمل أن المراد به الزمن مطلقاً . قوله : ( أي ذبائح اليهود والنصارى ) أي إن ذبح ما هو حل لهم في شرعنا ، ولم يذكر اسم غير الله عليه وتؤكل ذبائحهم ، ولو غيروا اليهودية بالنصرانية وعكسه عند مالك ، واشترط الشافعي عدم التغيير والتبديل . قوله : { وَطَعَامُكُمْ } ( إياهم ) أي بمعنى إطعامكم إياهم ، ومعنى ( حل لهم ) أي لا يحرم عليهم بشرعهم ، ولا يحرم علينا أن نطعمهم من ذبائحنا . قوله : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي الحرائر منهن ، وأما الإماء فتقدم أنهن حل بالشروط . قوله : ( الحرائر ) أي وأما الإماء فلا يحل نكاحهن إلا بالملك ، وأما حرارئنا فلا يحل لهم نكاحهن ، بل ولا إماؤنا ، فتحصل أن طعامنا حل لهم ، وطعامهم حل لنا ، ونساؤهم حل لنا ، ونساؤنا لسن حلالهم . قوله : { إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } بيان للأكمل ، واحترز عن الدخول على إسقاطه فلا يحل ، والظرف متعلق بالخبر المحذوف الذي قدر المفسر بقوله حل لكم . قوله : { مُحْصِنِينَ } حال من { ءاتَيْتُمُوهُنَّ } أي حال كونكم محصنين ، وقوله : { غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } نعت لمحصنين . قوله : { أَخْدَانٍ } جمع خدن وهو الخليل والصاحب الذي يزني بالمرأة سراً . قوله : { بِٱلإِيمَٰنِ } الباء بمعنى عن ، والكفر بمعنى الردة ، أي يرتد عن الإيمان . قوله : { حَبِطَ عَمَلُهُ } ( الصالح ) أي والسيء إن عاد للإسلام بمعنى بطل كل منهما ، فلو عاد للإسلام فلا عقاب عليه في السيء ، ولا ثواب له في الصالح ، والمرتد لا يقضي الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ، إذا فاته جميع ذلك في زمن الردة أو قبل زمنها ما لم يرتد بقصد إسقاط ذلك ، ولا يقضي إلا ما أسلم في وقته لعموم آية { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] عند مالك ، وعند الشافعي يقضي جميع ذلك ، وأما الحج فوقته وهو العمر باق فيقضيه . قوله : ( إذا مات عليه ) أي الكفر وهو راجع لقوله : { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ } لا لما قبله ، فإنه يحبط عمله زمن الردة مطلقاً ، مات على الكفر أو الإسلام .