Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 103-106)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } جمع بصر وهو حاسة النظر ، أي القوة الباصرة ، ويطلق على العين نفسها على إطلاق الحال وإرادة المحل . قوله : ( وهذا مخصوص ) أي نفي الرؤية عام مخصوص برؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ، لأن الفعل إذا دخل عليه النفي يكون من قبيل العام . قوله : ( لرؤية المؤمنين ) علة لقوله مخصوص ، وقوله : ( لقوله تعالى ) علة للعلة . قوله : ( ناصرة ) أي قامت بها النضارة ، وهي البهجة والحسن ، وقوله : ( ناظرة ) أي باصرة للذات المقدس . قوله : ( ليلة البدر ) أي ليلة أربعة عشر . قوله : ( وقيل المراد الخ ) أي وعلى هذا فالنفي باق على عمومه فلا يحيط به بصر أحد أبداً ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فلا ينافي أن المؤمنين يرونه في الآخرة ، لكن بلا كيف ولا انحصار لوجود أدلة عقلية ونقلية ، أما النقلية فالكتاب والسنة والإجماع ، والعقلية منها أن الله علق رؤيته على استقرار الجبل وهو جائز ، والمعلق على الجائز جائز ، ومنها لو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها موسى عليه السلام ، إذ لا يجوز على النبي سؤال المحال إذ هو جهل ، ويستحيل على النبي الجهل ، ومنها أن يقال الله موجود ، فكل موجود يصح أن يرى ، فالله يصح أن يرى ، خلافاً للمعتزلة والمرجئة والخوارج حيث أحالوا الرؤية ، مستدلين بظاهر هذه الآية وبقولهم إن الرؤية تستلزم المقابلة واتصال أشعة بصر الرائي بالمرئي ، فيلزم أن يكون المرئي جسماً ، وتعالى الله عن الجسمية ، ورد كلامهم بما علمت ، وبأن هذا التلازم عادي لا عقلي ، ويجوز تخلف العادة . قوله : ( لا تحيط به ) أي لا تبلغ كنه حقيقة ذاته وصفاته أبصار ولا بصائر . قوله : { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } فيه تفسيران أيضاً ، الأول يراها ، والثاني يحيط بها على أسلوب ما تقدم . قوله : ( ولا يجوز في غيره الخ ) أي لأن رؤية كل منهما لصاحبه غير مستحيلة ، وما جاز على أحد المثلين يجوز على الآخر . قوله : ( أو يحيط به علماً ) هذا هو التفسير الثاني . قوله : { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ } من لطف بمعنى احتجب ، فلا يحيط به بصر ولا بصيرة ، فقوله راجع لقوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } ، وقوله : { ٱلْخَبِيرُ } راجع لقوله : { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } فهو لف ونشر مرتب ، وهذا هو المناسب هنا ، فقول المفسر ( بأوليائه ) يقتضي أن معنى { ٱللَّطِيفُ } الرؤوف المحسن ، وهو إن كان مناسباً في نفسه ، إلا أنه غير ملائم هنا . فتحصل مما تقدم أن الرؤية بالبصر في الآخرة للمؤمنين ، وقع فيها خلاف بين المعتزلة وأهل السنة ، وتقدم أن الحق مذهب أهل السنة ، وأما رؤية قلوب العارفين له في الدنيا بمعنى شهود القلب له في كل شيء فهو جائز ، بل هو مطلبهم وغاية مقصودهم ومناهم قال العارف : @ أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي إليها قلوب الأولياء تسارع @@ وكذا رؤياه في المنام . قوله : { بَصَآئِرُ } جمع بصيرة وهي النور الباطني الذي ينشأ عنه العلوم والمعارف . قوله : ( حجج ) جمع حجة وهي الأدلة ، وسميت الحجج بصائر ، لأنها تنشأ عنها من باب تسمية المسبب باسم السبب . قوله : { فَمَنْ أَبْصَرَ } ( ها ) قدر المفسر الضمير إشارة إلى أن المفعول محذوف . قوله : { فَلِنَفْسِهِ } ( أبصر ) قدر المفسر متعلق الجار والمجرور فعلاً ماضياً مؤخراً ، وهو غير مناسب للزوم زيادة الفاء ، بل المناسب تقديره اسماً مبتدأ ، والجار والمجرور خبره ، والتقدير فابصاره لنفسه ، وكذا يقال في قوله : { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } . قوله : ( لأن ثواب إبصاره ) أي نفعه فلا يعود على الله من الطاعة نفع ، ولا يصل له من المعصية ضر . قوله : { وَمَنْ عَمِيَ } ( عنها ) أي عن البصائر بمعنى الحجج . قوله : { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف تقديره نصرف الآيات في غير هذه السور تصريفاً . مثل التصريف في هذه السورة . قوله : ( كما بينا ما ذكر ) أي الأحكام المذكورة . قوله : ( نبين ) { ٱلآيَاتِ } هذا وعد من الله بإكمال الدين وإظهاره ، فلذا كان نزول قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] من مبشرات الوفاء لرسول الله . قوله : ( ليعتبروا ) أي لتقوم بهم العبرة أي الاتعاظ ، فيميزوا الحق من الباطل ، وقدره المفسر لعطف قوله : { وَلِيَقُولُواْ } عليه . قوله : ( في عاقبة الأمر ) أشار بذلك إلى أن اللام في { وَلِيَقُولُواْ } لام العاقبة والصيرورة نظير قوله تعالى : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] ، وقيل إن اللام للعلة حقيقة ، والمعنى نصرف الآيات ليعتبر الذين آمنوا ويزدادوا بها إيماناً ، وليقول الذين كفروا درست ليزدادوا كفراً ، ونظير قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 124 - 125 ] . قوله : { دَرَسْتَ } كقاتلت ، من المدارسة ، والمعنى تذاكرت مع أهل الكتاب فتعلمت منهم تلك القصص . قوله : ( وفي قراءة درست ) أي قرأت الكتب ، وبقي قراءة ثالثة سبعية أيضاً : وهي درست بفتح الدال والراء والسين ، أي عفت وبليت وتكررت على الأسماع . قوله : ( وجئت بهذا منها ) راجع لكل من القراءتين . قوله : { وَلِنُبَيِّنَهُ } أي الآيات ، وذكر باعتبار معناها وهو القرآن . قوله : { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ } لما ذكر الله سبحانه وتعالى قبائح المشركين وتكذيبهم لرسول الله ، أخذ يسلي رسوله بقوله : اتبع ، أي دم على ذلك ، ولا تبال بكفرهم ، ولا تلتفت لقولهم ، وما اسم موصول ، والعائد محذوف ، ونائب فاعل أوحي ضمير مستتر عائد على ما ، وإليك متعلق بأوحي ، ومن ربك متعلق بمحذوف حال ، ومن لابتداء الغاية ، والتقدير اتبع الذي أوحي إليك هو أي القرآن ، حال كونه ناشئاً وصادراً من ربك ، ويصح أن تكون مصدرية ، ونائب الفاعل هو الجار والمجرور ، والتقدير اتبع الإيحاء الجائي إليك من ربك . قوله : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتأكيد التوحيد . قوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي لا تتعرض لهم ولا تقاتلهم ، وهذا على أنها منسوخة كما يأتي للمفسر ، وقيل إن الآية محكمة ، والمعنى لا تلتفت إلى رأيهم ، ولا تغتظ من أقوالهم وإشراكهم ، لأن ذلك بمشيئة الله ، ومثل ذلك يقال : إذا أجمع خلق على ضلالة لا يستطاع ردها ، ففي الحديث " إذا رأيتم الأمر لا تستطيعون رده فاصبروا حتى يكون الله هو الذي يغيره " .