Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-152)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ تَعَالَوْاْ } لما أقام الله سبحانه وتعالى الحجة على الكفار ، بأنه تحليل ولا تحريم إلا بما أحله الله أو حرمه كأن سائلاً قال : وما الذي حرمه وأحله ؟ فقال سبحانه : { قُلْ تَعَالَوْاْ } الخ ، وتعالوا فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو فاعل ، وهو في الأصل موضوع لطلب ارتفاع من مكان سافل إلى مكان عال ، ثم استعمل في الاقبال والحضور مطلقاً ، وآثرها إشارة إلى أنهم في أسفل الدركات ، وهو يطلبهم للرفع والعلو من أخس الأوصاف إلى أكملها وأعلاها ، كأنه قال اقبلوا إلى المعالي ، لأن من سمع أحكام الله وقبلها بنصح ، كان في أعلى المراتب . قوله : { أَتْلُ } جواب الأمر مجزوم بحذف الواو ، والضمة دل عليها ، وقيل جواب لشرط محذوف تقديره إن تأتوا أتل ، أي اقرأ ما حرم الله عليكم . قوله : { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } ما اسم موصول ، وحرم صلته ، والعائد محذوف ، وربكم فاعل حرم ، وقوله : { عَلَيْكُمْ } تنازعه كل من أتل وحرم ، أعمل الثاني ، واضمر في الأول وحذف لأنه فضلة . وحاصل ما ذكر في هاتين الآيتين عشرة أشياء : خمسة بصيغ النهي ، وخمسة بصيغ الأمر ، وقدم المنهي عنه لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن المنهي عنه مأمور باجتنابه مطلقاً ، والمأمور به على حسب الاستطاعة لما في الحديث " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم " ووسط بينهما الأمر ببر الوالدين اعتناء بشأنه ، لكونه أعظم الواجبات بعد التوحيد ، وهذه العشرة لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار ، بل أجمع عليها جميع أهل الأديان ، قال ابن عباس : هذه آيات محكمات ، لم ينسخهن شيء في جميع الكتب ، وهن محرمات على بني آدم كلهم ، وهن أم الكتاب ، من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار . قوله : { أَنْ } ( مفسرة ) أي وضابطها موجود ، وهو أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه ، واستشكل بأن هذا يقتضي أن جميع ما يأتي محرم ، مع أن بعضه مأمور بفعله على سبيل الوجوب . أجيب بأجوبة منها : أن التحريم في المنهي عنه ظاهر وفي المأمور به باعتبار أضدادها ، فالمعنى حرم فعلاً وهي المنهيات ، أو تركاً وهي المأمورات ، ومنها أن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت ، والتقدير ما حرم ربكم عليكم وما أمركم به ، ثم فرع بعد ذلك على المذكور والمحذوف ، والأقرب الأول . قوله : { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } أي لا في الأقوال ، ولا في الأفعال ، ولا في الاعتقادات . قوله : { إِحْسَاناً } مفعول مطلق لفعل محذوف قدره المفسر بقوله : ( أحسنوا ) والمراد بالوالدين الأب والأم وإن علياً . قوله : ( بالوأد ) تقدم أنه الدفن بالحياة . قوله : { مِّنْ إمْلاَقٍ } يطلق بمعنى الفقر والافلاس والافساد ، والمراد هنا الأول . قوله : نحن { نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } هذا في معنى التعليل للنهي المتقدم ، والمعنى لا تقتلوا أولادكم من أجل حصول فقر ، لأن رزقكم ورزقهم علينا لا غيرنا ، وقال هنا : { مِّنْ إمْلاَقٍ } ، وقال في الإسراء : { خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] ، لأن ما هنا في الفقر الحاصل بالفعل ، وما في الإسراء في الفقر المتوقع ، فهو خطاب للأغنياء ، وقدم هنا خطاب الآباء ، وهناك ضمير الأولاد قيل تفننا ، وقيل قدم هنا خطاب الآباء تعجيلاً لبشارة الآباء الفقراء بأنهم في ضمان الله ، وقدم هناك ضمير الأولاد ، لتطمئن الآباء بضمان رزق الأولاد ، فهذه الآية تفيد النهي للآباء عن قتل الأولاد ، وإن كانوا متلبسين بالفقر ، والأخرى عن قتلهم وإن كانوا موسرين ، ولكن يخافون وقوع الفقر . قوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } هذا أعم مما قبله ، لأن من جملة الفواحش قتل الأولاد . قوله : ( أي علانيتها ) أي كالقتل والزنا والسرقة وجميع المعاصي الظاهرية ، وقوله : ( وسرها ) أي كالرياء والعجب والكبر والحسد وجميع المعاصي القلبية . قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ } عطف خاص على عام ، ونكتته الاستثناء بعدة . قوله : { ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } مفعول حرم محذوف أي قتلها . قوله : { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } في محل نصب على الحال ، أو صفة لمصدر محذوف ، والتقدير ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا ملتبسين بالحق ، أو قتلاً ملتبساً بالحق ، وهو استثناء مفرع ، أي لا تقتلوها في حال من الأحوال ، إلا في حال ملابستكم بالحق . قوله : ( كالقود ) أي القصاص ، وقوله : ( وحد الردة ) أي لما في الحديث " من بدل دينه فاقتلوه " وقوله : ( ورجم المحصن ) أي بشروطه ، وهو ما قبله المذكورة في الفروع . قوله : { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } مبتدأ وخبر ، وقوله : ( المذكور ) إشارة إلى أن اسم الإشارة عائد على ما تقدم من الأمور . قوله : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ختم هذه الآية بذلك ، لأنها اشتملت على خمسة أشياء عظام ، والوصية فيها أبلغ منها في غيرها ، لعموم نفعها في الدين والدنيا ، فختمها بالعقل الذي هو مناط التكليف . قوله : ( أي بالخصلة التي ) { هِيَ أَحْسَنُ } أشار بذلك إلى أنه نعت لمصدر محذوف ، والمعنى لا تقربوا مال اليتيم في حالة من الحالات ، إلا في الحالة التي هي أحسن لليتيم . قوله : { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } غاية لما يفهم من النهي ، كأنه قال : احفظوه إلى بلوغ أشده ، فسلموه له حينئذ . قوله : ( بأن يحتلم ) هذا تفسير لبلوغ الأشد ، باعتبار أول زمانهن وسيأتي في الأحقاف تفسيره باعتبار آخره وهو ثلاث وثلاثون سنة ، لأن الأشد هو قوة الإنسان وشدته ومبدؤه البلوغ ، وينتهي لثلاث وثلاثين سنة . قوله : { بِٱلْقِسْطِ } متعلق بمحذوف إما حال من فاعل : { أَوْفُواْ } ، أو من مفعوله أي أوفوهما حال كونكم مقسطين ، أو حال كونهما تامين . قوله : ( وترك البخس ) أي النقص في الكيل أو الوزن . قوله : ( فلا مؤاخذة عليه ) أي لا إثم ، ولكنه يضمن ما أخطأ فيه ، لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء . قوله : { وَإِذَا قُلْتُمْ } المراد بالقول ما يعم الفعل ، وقوله : { فَٱعْدِلُواْ } ( بالصدق ) أي لا تتركوه في القول ولا في الفعل ، وإنما خص القول تنبيهاً بالأدنى على الأعلى . قوله : { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ } إما مضاف لفاعله أي ما عهده إليكم ، أو لمفعوله أي ما عاهدتم الله عليه . قوله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ختمها بذلك لأن هذه الأمور خفية غامضة ، لا بد فيها من الاجتهاد والتذكر . قوله : ( والسكون ) صوابه والتخفيف ، إذ لم يقرأ بسكون الذال ، فمن شدد قلب التاء ذالاً وأدغمها في الأخرى ، ومن خفف حذف إحدى التائين . قوله : ( بالفتح ) أي مع التشديد أو التخفيف ، وقوله : ( والكسر ) أي مع التشديد لا غير ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية . قوله : ( على تقدير اللام ) أي على كل من الوجهين ، وحينئذ تكون الواو عاطفة من عطف العلة على المعلول ، والتقدير كلفتم بهذا الذي وصاكم به من أول الربع إلى هنا ، أو من أول السورة إلى هنا ، لأن هذا صراطي . قوله : ( استئنافاً ) أي واقعاً في جواب سؤال مقدر ، ومع ذلك فيها معنى التعليل ، كأن قائلاً قال : لأي شيء كلفنا بما تقدم ؟ فقيل في الجواب : أن هذا صراطي مستقيماً ، ثم اعلم أنه على قراءة التشديد ، فاسم الإشارة اسم أن وصراطي خبرها ، وعلى قراءة التخفيف فاسمها ضمير الشأن ، واسم الإشارة مبتدأ ، وصراطي خبره ، والجملة خبر إن ، ومستقيماً حال من صراطي على كل حال .