Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } أضاف العدو لنفسه تعالى تشريفاً للمؤمنين ، أي أن عدوكم بمنزلة عدوي أنتقم منه ، وإلا فالعدو بمعنى الموصل للضر ، والضر على الله محال ، كما أن الحبيب الموصل للنفع ، وهو على الله محال . قوله : ( أي كفار مكة ) تفسير للعدو ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فحكم الآية باق مع سائر الكفار إلى يوم القيامة . قوله : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ } هذه الجملة إما مفسرة لموالاتهم إياهم ، أو استئنافية ، فلا محل لها من الإعراب على هذين ، أو حال من فاعل تتخذوا أو صفة لأولياء ، قوله : ( قصد النبي ) الخ ، أشار بذلك إلى أن مفعول { تُلْقُونَ } محذوف ، والباء في قوله : { بِٱلْمَوَدَّةِ } سببية . قوله : ( وورّى بحنين ) أي بغزوة حنين ، والمعنى : أظهر لعامة الناس أن يريد غزوة حنين على عادته ، من أنه كان إذا خرج لغزوة يوري بغيرها ، كأن يسأل عن طريق غيرها ستراً عن المنافقين ، لئلا يرسلوا إلى الكفار فينتهوا فيفوت تدبير الحرب ، والتورية مأخوذة من وراء الإنسان ، كأنه يجعل ما أراده خلفه ووراءه ، وفي بعض النسخ ، وورى بخيبر وهو تحريف ، لأن غزوة خيبر كانت في المحرم سنة سبع ، وفتح مكة كان في رمضان من السنة الثامنة ، وحنين كانت بعد الفتح في شوال من سنة الفتح ، فوري بها على عادته في غزاته ، والسورة نزلت في غزوة الفتح . قوله : ( كتب حاطب بن أبي بلتعة ) الخ ، أي وكان ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في الأصل من اليمن ، وكان في مكة حليف بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام ، وهذا بيان لسبب نزول قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآيتين ، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : ائتوا روضة خاخ بالصرف وتركه موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلاً ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا نهادي خيلنا أن سرعها ، فإذا نحن بامرأة فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ فقال : لا تعجل علي يا رسول الله ، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش - قال سفيان : كان حليفاً لهم ولم يكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ، أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفراً ولا ارتداد عن ديني ، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه ، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً ، وأن الله ناصرك عليهم ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فأنزل الله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } " قيل : اسم المرأة سارة من موالي قريش ، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم فتح مكة إلا أربعة هي إحداهم ، وقيل إنها عاشت إلى خلافة عمر ، وأسلمت وحسن إسلامها ، وكان في الكتاب : أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم ، ولا يخذله موعده فيكم ، فإن الله وليه وناصره . وروي أن سارة المذكورة حين قدمت المدينة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمهاجرة جئت يا سارة ؟ فقالت : لا ، فقال : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك ، قالت : كنتم الأهل والموالي ، والأصل والعشيرة ، وقد ذهب بعض الموالي يعني قتلوا يوم بدر ، وقد احتجت حاجة شديدة ، فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني ، فقال عليه السلام : فأين أنت من شباب أهل مكة ؟ وكانت مغنية ، قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر ، فحيث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب على إعطائها ، فكسوها وحملوها وأعطوها ، فخرجت إلى مكة ، وأتاها حاطب فقال : أعطيك عشرة دنانير وبرداً ، على أن تلقي هذا الكتاب إلى أهل مكة ، وكتب فيه أن رسول الله صلى لله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم ، فخرجت سارة سائرة إلى مكة ، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فبعث لها علياً إلى آخر ما تقدم . قوله : ( فاسترده النبي ) أي طلب رده بإرسال علي ومن معه . قوله : ( ممن أرسله ) أي وهي سارة ، والضمير المستتر في أرسل عائد على حاطب ، والبارز عائد على الكتاب . قول : ( بإعلام الله له ) متعلق باسترده والباء سببه . قوله : ( وقبل عذر حاطب ) أي لأنه مؤمن بدري شهد الله له بالإيمان حيث قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الخ . قوله : { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ } إما مستأنف أو تفسير لكفرهم أو حال من فاعل { كَفَرُواْ } . قوله : { وَإِيَّاكُمْ } عطف على { ٱلرَّسُولَ } وقدم عليهم لأنه المقصود ، فلذلك عدل على اتصال الضمير إلى انفصاله ، لأنه لو قال : يخرجونكم والرسول لفات هذا المعنى . قوله : ( أي لأجل أن آمنتم ) الخ ، أشار بذلك إلى أن { تُؤْمِنُواْ } في محل نصب مفعول له . والمعنى : يخرجنكم من أجل إيمانكم بالله . قوله : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } أي من مكة . قوله : ( للجهاد ) أشار به إلى أن جهاداً وما بعده منصوب على المفعول له . قوله : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ } بدل من تلقون ، بدل بعض من كل أو مستأنف ، ومفعول { تُسِرُّونَ } محذوف قدره بقوله : ( إسرار خبر النبي ) والباء في { بِٱلْمَوَدَّةِ } للسببية نظير ما تقدم . قوله : { وَأَنَاْ أَعْلَمُ } الجملة حالية من فاعل { تُلْقُونَ } و { تُسِرُّونَ } . قوله : ( طريق الهدى ) أشار بذلك إلى أن { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } مفعول { ضَلَّ } . قوله : { إِن يَثْقَفُوكُمْ } الخ ، كلام مستأنف مبين لوجه العداوة . قوله : { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً } أي يظهروا العداوة لكم . قوله : { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } عطف على جملة الشرط ، والجزاء فقد أخبر عنهم بخبرين : عداوتهم ومودتهم كفر المؤمنين . قوله : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } هذا تخطئة لحاطب في رأيه كأنه قال : لا تحملكم قراباتكم وأولادكم الذين بمكة على خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وترك مناصحتهم ، ونقل أخبارهم ، وموالاة أعدائهم ، فإنه لا تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم الذي عصيتم الله لأجلهم . قوله : ( من العذاب ) متعلق بقوله : { لَن تَنفَعَكُمْ } . قوله : { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } إما متعلق بما قبله فيوقف عليه ويبتدأ بيفصل بينكم ، أو متعلق بما بعده فيوقف على أولادكم ويبتدأ بيوم القيامة . قوله : ( بالبناء للمفعول ) أي مع التخفيف والتشديد ، وقوله : ( والفاعل ) أي معهما أيضاً ، فالقراءات أربع سبيعات . قوله : ( وبينهم ) أي الأرحام والأولاد . قوله : ( فتكون في الجنة ) أي فلا ينبغي موالاة الكفار ، لأنه لا اجتماع بينكم وبينهم في الآخرة .