Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 4-6)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } لما بين سبحانه وتعالى حال من جعل الكفار أولياء في أول السورة ، ذكر مناقضة ابراهيم وقومه ، وأن طريقة التبرؤ من أهل الكفر ، وألزم أمة محمد بالاقتداء به في ذلك ، وفيه توبيخ لحاطب ومن والى الكفار . قوله : ( بكسر الهمزة وضمها ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وقوله : ( في الموضعين ) أي وهذا قوله الآتي { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ومعناها عليهما الاتباع والاقتداء ما قال المفسر . قوله : { فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } جار ومجرور متعلق بأسوة ، ورد بأنه لا يجوز عمل المصدر الموصوف ، وأجيب بأنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها ، ويصح أنه متعلق بحسنة ، تعلق الظرف بالعامل ، ويصح أنه نعت ثان لأسوة ، وإنما خص التأسي بإبراهيم ، لأنه صبر على أذى عدو الله النمروذ ، ولم يكن معه أحد يعينه عليه ، مع تفرده بملك الأرض مشرقاً ومغرباً . قوله : ( قولاً وفعلاً ) تمييز مبين لجهة الاقتداء ، أي اقتدوا به في القول والفعل ، فإنه لم يبال بالكفار ، ولا بشدتهم وضعفه ، قوله : { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } ( من المؤمنين ) يحتمل أن المراد بالمعية وهو في أرض بابل ، وحينئذ لم يكن معه إلا لوط ولد أخيه ، وسارة زوجته ، أو المراد بعد مجيئه إلى الشام ، وحينما كثر المؤمنون به . قوله : { إِذْ قَالُواْ } هذا بدل اشتمال من { إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } والمراد بقومهم النمروذ وجماعته ، أي فبارزوهم بالعداوة ولم يبالوا بهم ، مع شدة بأسهم وضعف المؤمنين . قوله : { إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ } أي من دينكم وآلهتكم . قوله : { وَبَدَا } أي ظهر بيننا وبينكم العداوة على ممر الأزمان ، بدليل ذكر الأبد ، والعداوة المباينة ظاهراً ، والبغضاء المباينة بالقلوب ، وفي الحقيقة هما متلازمان . قوله : ( بتحقيق الهمزتين ) الخ ، أي فهما قراءتان سبعيتان . قوله : ( مستثنى من أسوة حسنة ) أي وساغ ذلك ، لأن القول من جملة الأسوة ، فكأنه قيل لكم فيه أسوة في أفعاله وأقواله ، إلا قوله كذا . قوله : ( أي فليس لكم التأسي به ) أي لأن استغفاره له لرجائه إسلامه ، فلما ظهر أنه عدو الله تبرأ منه . قوله : { وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } هذه الآية باعتبار معناها الوضعي ، تكون من جملة ما يقتدى به فيه ، لأن محصلة أنه لا يملك له ثواباً ولا عقاباً ، على حد ليس لك من الأمر شيء ، وهذا ثابت لإبراهيم وغيره ، وليس مراداً هنا ، بل المراد معناها الكنائي ، وهو أنه لا يملك له غير الاستغفار ، فهو غير مقتدى به فيه ، وحينئذ فقوله : { وَمَآ أَمْلِكُ } معطوف على { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وأشار المفسر لذلك بقوله : ( كنى به ) الخ . قوله : ( فهو مبني عليه ) أي معطوف على { لأَسْتَغْفِرَنَّ } ومرتبط به ساقه اعتذاراً . قوله : ( مستثنى من حيث المراد منه ) أي وهو المعنى الكنائي . قوله : ( وإ ، كان من حيث ) الخ ، مبالغة على أنه ليس مراداً ، وإن كان معناه الوضعي . قوله : ( فمن يملك ) هذا دليل للمعنى الوضعي الغير المراد . قوله : ( واستغفاره ) هذا بيان لعذر ابراهيم في استغفاره لأبيه ، وذلك أنه لم يستغفر له إلا لرجاء إيمانه ، ولما مات على الكفر رجع عن ذلك ، كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ } [ التوبة : 114 ] الخ . والحاصل أن ابراهيم وعد أباه بالاستغفار في سورة مريم بقوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] واستغفر له بالقول في سورة الشعراء في قوله تعالى : { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ } [ الشعراء : 86 ] ثم رجع عن ذلك كما بينه الله في سورة براءة . قوله : ( من قول الخليل ) الخ ، أي الذي يقتدى به فيه ، فهو في المعنى مقدم على جملة الاستثناء . قوله : ( أي قالوا ) أي فهو مقول القول السابق في { قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ } أي قالوا ذلك وقالوا { رَّبَّنَا } الخ ، ويصح أن يكون أمراً من الله للمؤمنين ، تتميماً لما أمرهم به من ترك موالاة الكفار ، أي أظهروا لهم العداوة ، ولا يهولكم أمرهم ، وقالوا : { رَّبَّنَا } الخ ، ومعنى { تَوَكَّلْنَا } فوضنا أمرنا ، وقوله : { وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا } أي رجعنا بالتوبة عن كل ما تكره منا ، وقوله : { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } المرجع في الآخرة . قوله : ( أي لا تظهرهم ) أي تجعلهم غالبين علينا ، وقوله : ( فيظنوا أنهم على الحق ) يعني إن ظفروا بنا ، قوله : ( فيفتنوا ) أي يزدادوا كفراً ويدوموا عليه ، لأن الاستدراج يوجب زيادة الكفر . قوله : { وَٱغْفِرْ لَنَا } أي ما مضى من الذنوب . قوله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ } هذه الجملة تأكيد لقوله سابقاً { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ } الخ ، أتى بها للمبالغة في التحريض على الاتباع لإبراهيم وأمته . قوله : ( أو يظن الثواب والعقاب ) تفسير ثان لمعنى الرجاء والمراد بظن الثواب الخ الإيقان بذلك . قوله : { وَمَن يَتَوَلَّ } أي يعرض عن الاقتداء بإبراهيم ، وجواب الشرط محذوف تقديره فوباله على نفسه ، وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الخ ، تعليل للجواب .