Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-7)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } وقع خلاف طويل في أول ما نزل من القرآن والصحيح إن أول ما نزل على الإطلاق { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] إلى { مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق : 5 ] وأول ما نزل بعد فترة الوحي { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } إلى { فَٱهْجُرْ } . والحاصل : " أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعبد في غار حراء ؛ فنزل جبريل بآية { ٱقْرَأْ } كما في حديث البخاري ، فذهب بها يرجف فؤاده ، فقال لخديجة : زملوني ، فنزل عليه { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } ثم فتر الوحي ، فحزن صلى الله عليه وسلم وجلع يعلو شواهق الجبال ، ويريد أن يرمي بنفسه ، فنودي وهو بغار حراء : يا محمد إنك رسول الله ، قال : فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئاً ، فنظرت فوقي ، فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض ، يعني الملك الذي ناداه ، فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت : دثروني ، دثروني ، فنزل جبريل وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } " والتدثر لبس الدثار ، وهو الثوب الذي فوق الشعار ، ما يلي الجسد . قوله : ( أدغمت التاء ) أي بعد قلبها دالا وتسكينها . قوله : ( أي المتلفف بثيابه ) أي من الرعب الذي حصل له من رؤية الملك ، وقيل : المتدثر بالنبوة والمعارف الإلهية . قوله : { قُمْ فَأَنذِرْ } إنما اقتصر على الإنذار ، وإن كان معبوثاً بالتبشير أيضاً ، لأنه في ذلك الوقت ، لم يكن أحد يصلح للتبشير إلا ما قل جداً ، فلما اتسع الإسلام نزل عليه { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الأحزاب : 45 ] . قوله : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي خص ربك بالتكبير والتعظيم ظاهراً وباطناً ، والفاء في هذا وما بعده ، لإفادة معنى الشرط ، كأنه قال : مهما يكن من شيء فكبر ، والمعنى اعتقد أن ربك منزه عن كل نقص ، متصف بكل كمال . قوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } ( عن النجاسة ) أي لأن طهارة الثياب ، شرط في صحة الصلاة ، لا تصح إلا بها ، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة ، لأن المؤمن طاهر طيب ، لا يليق منه أن يحمل خبيثاً ، ففي هذا رد على المشركين ، فإنهم كانوا لا يصونون ثيابهم عن النجاسات ، فأمره الله تعالى أن يخالفهم في ذلك . قوله : ( قصرها ) أي لأن تطويل الثياب شأنه أصابة النجاسة ، فعبر بالملزوم عن اللاز ، وتقصير الثياب مطلوب لما في الحديث : " إزار المؤمن إلى انصاف ساقيه ، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان على اسفل من ذلك ففي النار ، فمن السفه أن يطيل الرجل ثيابه ، ثم يتكلف رفعها بيديه " وود : " من جر إزاره خيلاء ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة " قال أبو بكر : يا رسول الله ، إن أحد شقي إزاري يسترخي ، إلا أني أتعهد ذلك منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لست ممن يصنعه خيلاء " فيؤخذ من ذلك ، أن تطويل الثياب بقصد الخيلاء حرام ، أما من غير قصد بل لمجرد عادة أهل بلده مثلاً ، فهو مكروه إن كان يتحفظ من النجاسة ، وما ذكره المفسر أحد أقوال في تفسير الآية ، وقيل : المراد طهر نفسك من الصفات المذمومة ، كالعجب والكبر والرياء ونحو ذلك ، مأخوذ من قولهم : فلان طاهر الثياب والذيل ، إذا أراد وصفه بالنقاء من ادناس الأخلاق ، ومن ذلك قول عكرمة : لا تلبسها على معصية ولا على غدر ، وقال الحسن : خلقك فحسن ، وقال سعيد بن جبير : قلبك وبيتك فطهر ، وقال مجاهد : عملك فأصلح ، وقيل : المراد بالثياب الأهل ، أي طهرهم عن الخطايا بالموعظة والتأديب ، والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وازاراً ، قال تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [ البقرة : 187 ] والآية صالحة لجميع تلك المعاني . قوله : { وَٱلرُّجْزَ } بضم الراء وكسرها سبعيتان ، والزاي منقلبة عن السين ومعناهما واحد . قوله : ( أي دم على هجره ) دفع بذلك ما يقال : ظاهر الآية يقتضي أنه كان متلبساً بعبادة الأوثان وليس كذلك . قوله : { وَلاَ تَمْنُن } المن هنا الأنعام ، والمعنى لا تعط شيئاً مستكثراً له ، وقوله ( حال ) أي من فاعل { تَمْنُن } . قوله : ( لا تعط شيئاً لتطلب أكثر منه ) أي فالاستكثار هنا ، عبارة عن طلب العوض ، بأن يهب شيئاً ، ويطمع أن يعوض من الموهوب له أكثر من الشيء الموهوب ، وقيل : المعنى لا تعط شيئاً مستكثراً له ، أي رائياً ما تعطيه كثيراً ، بل عدة قليلاً لقوله تعالى : { مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] وقال البوصيري : @ مستقل دنياك أن ينسب الامساك منها إليه والإعطاء @@ قوله : ( أكثر منه ) أي ولا مساوياً ولا أقل ، فالمراد النهي عن طلب العوض مطلقاً ، ليكون عطاؤه صلى الله عليه وسلم خالياً عن انتظار العوض ، والتفات النفس إليه ، وحكمة تخصيصه بذلك ، أنه عليه السلام خليفة الله الأعظم في خلقه دنيا وأخرى ، يقسم عليه من خزائن الله تعالى ، فجميع ما بذله لعباده بالنسبة لما عند الله قليل ، فلا يليق أن يراه كثيراً ، ولا أني طلب عوضاً من الفقراء ، وهو خليفة عن الغني المطلق فتدبر . قوله : ( وهذا ) أي النهي ، وقوله : ( خاص به ) أي وأما أمته فليس حرام في حقهم .