Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-66)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِن جَنَحُواْ } أي الكفار مطلقاً وبنو قريظة ، وعلى هذين القولين ، يتخرج القول بالنسخ والقول بالتخصيص ، الذي أشار له المفسر بقوله : ( قال ابن عباس ) الخ ، وهذا مبني على أن المراد بالصلح عقد الجزية ، وأما إن أريد بالصلح غيره من الهدنة والأمان فلا نسخ ، إذ يصح عقد ذلك لكل كافر ، وهذا التقرير مرور على مذهب الشافعي ، من أن الجزية لا تضرب إلا على أهل الكتاب فقط ، وقال مالك : إن الجزية تضرب على كل كافر صح سباؤه ، كان من أهل الكتاب أو لا ، فعلى مذهبه ليس في الآية نسخ أصلاً . قوله : ( بكسر السين وفتحها ) أي فهما قراءتان سبعيتان . قوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي فوض أمرك له . قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل لما قبله . قوله : { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ } شرط حذف جوابه ، تقديره فصالحهم ولا تخف من عذرهم . قوله : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } أي قواك بأسباب باطنية ، وهي نصره لك من غير واسطة ، وبأسباب ظاهرية وهم المؤمنون . قوله : ( بعد الإحن ) جمع إحنة وهي العداوة والشحناء التي كانت بين الأوس والخزرج . قوله : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي بعد أن كان كان ما كان بينهم من البغضاء والعداوة والحروب العظيمة ، مائة وعشرين سنة ، حتى لو أن رجلاً من قبيلة لطم لطمة واحدة لقاتل عنه أهل قبيلته ، حتى يدركوا ثأرهم ، فلما آمنو برسول الله ، زالت تلك الحالة ، وانقلبت العداوة محبة في الله ورسوله ، فكان معجزة عظيمة لرسول الله صلى الله عليم وسلم . قوله : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ } الخ ، هذا امتنان من الله على نبيه بتلك النعمة العظيمة . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } قيل نزلت ببدر ، فالمراد بالمؤمنين : الذين كانوا حاضرين وقعتها ، فيكون في ذلك مدح عظيم لهم ، ودليل على شرفهم ، ويؤخذ من ذلك ، أن المؤمنين إذا اجتمعت قلوبهم مع شخص لا يخذلون أبداً ، وليس في ذلك اعتماد على غير الله ، لأن المؤمنين ما التفت لهم إلا لإيمانهم وكونهم حزب الله ، فرجع الأمر لله ، وقيل : نزلت في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بعد إسلام ثلاثة وثلاثين رجلاً وست نسوة ، فيكون هو متماً للأربعين ، فعلى الأول الآية مدنية كبقيتها ، وعلى الثاني تكون الآية مكية ، اثناء سورة مدنية ، ولا مانع أنها نزلت مرتين بمكة يوم إسلام عمر ، ومرة بالمدينة في أهل بدر . قوله : { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } معطوف على لفظ الجلالة . قوله : { حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } أي مرهم أمراً أكيداً ، أو رغبهم فيه . قوله : { إِن يَكُن مِّنكُمْ } إما تامة وفاعلها { عِشْرُونَ } و { مِّنكُمْ } حال ، وإما ناقصة ، فعشرون اسمها ، ومنكم خبرها ، وهكذا يقال فيما بعدها . و { يَكُنْ } وقع هنا خمس مرات : الأول والرابع بالياء بالياء لا غير ، والثاني والثالث والخامس بالياء والتاء ، كما سيأتي للمفسر ، فيما سكت عنه فبالياء لا غير ، وما نبه عليه ففية الوجهان . قوله : { صَابِرُونَ } أي محتسبون أجرهم عند الله ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، لقلة المسلمين وكثرة الكافرين ، وحكمة ذلك : التكليف أن المسلمين وليهم الله ، فهم معتمدون عليه ، ومتوكلون عليه ، فبذلك الوصف كان الواحد مكلفاً بقتال عشرة ، وأما الكفار فلا ناصر لهم ، وهم معتمدون على قوتهم ، وذلك داع للضعف والهزيمة ، وفي الآية من المحسنات البديعية الاحتباك ، وهو الحذف من كل نظير ما أثبت في الآخر ، فقد اثبت صابرون في الأول ، وحذف الين كفروا منه ، وأثبت الذين كفروا في الثاني ، وحذف لفظ الصبر منه . قوله : ( وهذا خبر بمعنى الأمر ) أي وقد كان هذا في صدر الإسلام ، وكان فرار المائة من الألف حراماً ، ثم نسخ . قوله : ( بضم الضاد وفتحها ) أي فهما قراءتان سبعيتان ، والمراد الضعف في الأبدان ، لكثرة العبادة والتعب ، فرحمهم الله وأكرمهم ، وأيضاً علم الله ضعف ما يأتي بعد الصدر الأول عن القتال ، فخفف الله عن الجميع . قوله : ( وهو خبر بمعنى الأمر ) أي وقد استمر ذلك الأمر إلى يوم القيامة . قوله : ( ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر ) أي وكانوا سبعين من صناديدهم ، روي " أنه لما جيء بالأسارى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تقولون في هؤلاء ؟ " فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أهلك وقومك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فداء يكون لنا قوة على الكفار ، وقال عمر : يا رسول الله ، كذبوك وأخرجوك ، قدمهم نضرب أعناقهم ، مكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، ومكن حمزة من العباس يضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر ، وقال ابن رواحة : انظر وادياً كثير الحطب ، فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم ، ثم دخل ، فقال ناس يأخذ بقول عمر ، وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة ، ثم خرج رسول الله علية الصلاة والسلام فقال : " إن الله ليلين قلوب رجال ، حتى تكون ألين من اللبن ، ويشد قلوب رجال ، حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم . قال { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ومثل عيسى قال : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ومثلك يا عمر مثل نوح نوح قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } ومثل موسى : قَال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الآية ، ثم قال رسول : اليوم أنتم عالة ، فلا يفلتن أحد منهم ، إلا بفداء أو ضرب عنقه " قال عمر بن الخطاب : فهوى رسول الله ما قاله أبو بكر ، ولم يهوه ما قلت ، وأخذ منهم الفداء وهو عن كل واحد عشرون أوقية من الذهب ، وقيل أربعون أوقية ، إلا العباس فأخذ منه ثمانون أوقية عن نفسه ، وعن ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث ثمانون ، وأخذ منه وقت الحرب عشرون ، فجملة ما أخذ منه مائة وثمانون أوقية ، قال عمر : فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله : أبكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء ، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم " فنزلت الآية ، وهذا من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فرسول الله لن يعمل إلا ما أبيح له ، وإنما عتابه تعليماً لمن يتولى الأمور من أمته حسن السياسة ، من أنه لا يقبل الفداء من الكفار ، حتى يكون قادراً عليهم ، وظافراً بهم . قوله : ( بالتاء والياء ) أي فهما سبعيتان ، لكن على الفوقية تتعين الإمالة في أسرى ، وعلى التحتية تجوز الإمالة وعدمها .