Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 6-19)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } بيان لهداية الله تعالى الخاصة برسوله ، إثر بيان هدايته لجميع الخلق ، وهذه الآية تدل على المعجزة من وجهين ، الأول : الأخبار من الله تعالى بما يحصل في المستقبل الثاني : كونه يحفظ هذا الكتاب العظيم من غير دراسة ولا تكرار ولا ينساه أبداً . قوله : { فَلاَ تَنسَىٰ } ( ما تقرؤه ) أي منسوخاً أو غيره ، ليظهر كون الاستثناء متصلاً ، وقوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } استثناء مفرغ . قوله : ( بنسخ تلاوته وحكمه ) الباء سببية ، والمعنى : أن نسخ تلاوته وحكمه معاً ، سبب في جواز نسيانك له ، وأما ما نسخت تلاوته فقط أو حكمه فقط فلا ينساه ، للاحتياج إلى تبليغ حكمه أو تلاوته . قوله : ( فكأنه قيل ) إلخ أي فهو نظير قوله : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [ القيامة : 17 ] . قوله : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ } الخ ، تعليل لما قبله ، جيء به تسلية له صلى الله عليه وسلم كأنه قيل : لا تخش ضياع ما ألقي عليك ، فإنه تعالى يعلم الجهر وما يخفى ، ومنه : ما ألقي عليك فيثبت في فؤادك ما ينفع ، وصنيع المفسر يقتضي أنه تعليل لمحذوف قدره بقوله : ( لا تتعب نفسك ) . قوله : { وَمَا يَخْفَىٰ } ما اسم موصول ، وعائده محذوف ، ولا يصح أن تكون مصدرية ، لئلا يلزم خلو الفعل عن فاعل ، ولا يقال يجعل ضميراً ، لأنا نقول : يمنع منه عدم وجوده وما يعود عليه . قوله : { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } عطف على نقرئك ، وما بينهما اعتراض جيء به للتعليل ، والمعنى : نوفقك توفيقاً مستمراً للطريقة اليسرى ، في كل باب من أبواب الدين علماً وتعليماً وإهداء وهداية وغير ذلك ، ولذا ورد : " ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثماً " وورد : " بعثت بالحنيفية السمحاء " وحكمة إسناد التيسير لذاته ، ولم يقل ونيسر اليسرى لك الإيذان بقوة تمكنه عليه السلام من اليسرى والتصرف بها ، بحيث صار ذلك جبلة له صلى الله عليه وسلم ، فبين طبعه ودينه موافقة في اليسر والسهولة . قوله : ( للشريعة السلهة ) أي الطريقة اليسرى في حفظ الوحي والتدين . قوله : { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } إن قلت : هو صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يذكرهم ، سواء نفعتهم الذكرى أو لم تنفعهم ، ليكون حجة لهم أو عليهم ، أجيب : بأن في الآية اكتفاء ، أي أو لم تنفع على حد سرابيل تقيكم الحر أي والبرد ، ويؤيده قوله : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } فتدبر . قوله : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } أي من خلق الله في قلبه الخشية ، وهذا وعد من الله تعالى ، بأن من يخشى يحصل به الاتعاض وينتفع به ، والوعد لا يتخلف ، قوله : ( هي نار الآخرة ) الخ ، هذا قول الحسن ، ويدل له ما ورد : " ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم " وقيل : يكون في الآخرة نيران ودركات متفاضلة ، فالكافر يصلي أعظم النيران ، وقيل : النار الكبرى هي السفلى ، قال تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [ النساء : 145 ] . قوله : ( فيستريح ) جواب عما يقال : لا واسطة بين الحياة والموت ، فكيف وصف الله الأشقى بأنه لا يموت فيها ولا يحيا ؟ فأجاب : بأن المعنى لا يموت موتاً فيستريح به ، ولا يحيا حياة ينتفع بها . قوله : ( مبكراً ) أي تكبيرة الإحرام التي هي أحد أجزاء الصلاة . قوله : ( وذلك من أمور الآخرة ) تمهيد لارتباط هذه الآية بما بعدها ، فقوله : { بَلْ تُؤْثِرُونَ } الخ إضراب عن مقدر يستدعيه المقام . قوله : ( بالتحتانية ) أي وعليه فالضمير راجع للأشقى ، وقوله : ( والفوقانية ) أي وعليه فهو التفات ، والخطاب إما للكفار فقط ، أو لعموم الناس ، والقراءتان سبعيتان . قوله : { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي لاشتمالها على السعادة الجسمانية والروحانية ، ولذاتها غير مخلوطة بالآلام ، وهي دائمة باقية ، والدنيا ليست كذلك . قوله : ( أي إفلاح من تزكى ) الخ ، أي فالإشارة إلى قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } إلى قوله : { وَأَبْقَىٰ } وما ذكر من الصحف الأولى بالمعنى لا بهذا اللفظ ، فالشرائع المتقدمة متفقة على ما في هذه الآيات ، ورد عن أبي ذر قال : دخلت المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للمسجد تحية ، فقلت : وما تحيته يا رسول الله ؟ قال : ركعتان تركعهما ، قلت : يا رسول الله هل أنزل الله عليك شيئاً مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : يا أبا ذر اقرأ : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } . قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال : " كانت عبراً كلها ، عجبت لمن أيقن الموت كيف يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك ، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يمطئن إليها ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم يغضب ، عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل " . وعن أبي ذر أيضاً قال : " قلت يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالاً كلها ، أيها الملك المسلط المبتلي المغرور ، إن لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر ، وكان فيها أمثال ، وعلى العاقل أن يكون له ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل ، وساعة يخلوا فيها لحاجته في المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون طامعاً في ثلاث : تزود لمعاد ، ومرمة لمعاش ، ولذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه ، ومن عد كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه ، قال : قلت : فما كانت صحف موسى ؟ قال : كانت عبراً إلى آخره " . وقوله : ومرمة لمعاش ، أي إصلاح له .