Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-5)
Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلضُّحَىٰ } الخ ، قدم { ٱلضُّحَىٰ } هنا على { ٱللَّيْلِ } وفي السورة التي قبلها قدم الليل ، وذلك لأن في كل مزية تقتضي تقديمه ، فقدم هذا تارة ، والآخر أخرى ، فالليل به السكون والهدوء ، ومحل الخلوات والعطايا الربانية ، والنهار به النور والسعي في المصالح واجتماع الناس ، أو لأن السورة المتقدمة سورة أبي بكر ، وهو قد سبق له الكفر ، فقدم الليل ، وهذه سورة محمد صلى الله عليه وسلم وهو محض نور ، فقدم فيها { ٱلضُّحَىٰ } . إن قلت : ما الحكمة في ذكر { ٱلضُّحَىٰ } وهو ساعة ، وذكر { ٱللَّيْلِ } بجملته ؟ أجيب : بأن ذلك إشارة إلى أن ساعة من النهار ، توازي جميع الليل ، كما أن محمدا يوازي جميع الخلق ، وأيضا الضحى وقت سرور ، والليل وقت وحشة ، ففيه إشارة إلى أن سرور الدنيا أقل شرورها . قوله : ( أو كله ) أي وعليه ، ففيه مجاز من إطلاق الجزء على الكل . قوله : { إِذَا سَجَىٰ } { إِذَا } لمجرد الظرفية ، والعامل فيها فعل القسم المقدر كما تقدم نظيره . قوله : ( غطى بظلامه ) أي كل شيء . قوله : ( أو سكن ) إسناد السكون له مجاز عقلي ، والمعنى : سكن أهله من إسناد الشيء لزمانه . قوله : { مَا وَدَّعَكَ } بالتشديد في قراءة العامة من التوديع ، وهو في الأصل مفارقة المحبوب مع التألم ، أطلق وأريد منه مطلق الترك ، بدليل القراءة الشاذة بالتخفيف مع الودع وهو الترك . قوله : { وَمَا قَلَىٰ } مضارعة من باب ضرب وقتل . قوله : ( نزل هذا ) الخ ، اختلف في سبب نزول هذه الآية على أربعة أقوال ، الأول : ما روي أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى ليلتين أو ثلاثاً فجاءت أم جميل امرأة أبي لهب وقالت : يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً ، فنزلت . الثاني : أبطأ الوحي حتى شق عليه ، فجاءه وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو ، وأنزل عليه الآية . الثالث : ما روي أن خولة كانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن جرواً دخل البيت فدخل تحت السرير فمات ، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أياماً لا ينزل عليه الوحي ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا خولة ما حدث في بيتي ؟ إن جبريل لا يأتيني ، قالت خولة : فكنست فأوهيت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا جرو ميت ، فأخذته فألقيته خلف الجدار ، فجاء نبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحياه ، وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة ، فقال : يا خولة دثريني ، فلما نزل جبريل عليه سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن التأخر فقال : أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ؟ الرابع : ما روي أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف فقال صلى الله عليه وسلم : سأخبركم غداً ، ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي ، إلى أن نزل جبريل عليه السلام ، بقوله تعالى : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] وأخبره بما سأل ، ونزلت هذه الآية . قوله : ( خمسة عشر يوماً ) هذا قول ابن عباس ، وقال ابن جرير : اثني عشر يوماً ، وقال مقاتل : أربعون يوماً روي أنه لما جاءه جبريل قال له : ما جئت حتى اشتقت إليك ، فقال جبريل : إن كنت إليك أشوق ، ولكني عبد مأمور ، وأنزل عليه { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] . قوله : { وَلَلآخِرَةُ } اللام للابتداء مؤكدة لمضمون الجملة . قوله : { خَيْرٌ لَّكَ } إنما قيد بقوله : { لَّكَ } لأنها ليست خيراً لكل أحد ، بل الناس على أربعة أقسام : منهم من له الخير في الدارين ، وهم أهل الطاعة الأغنياء . ومنهم من له الشر فيهما ، وهم الكفرة الفقراء . ومنهم من له صورة خير في الدنيا ، وشر في الآخرة ، وهما الكفرة الأغنياء ، ومنهم من له صورة شر في الدنيا وخير في الآخرة ، وهم الفقراء المؤمنون . قال بعض أهل الإشارات : الآية اشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم دائما يترقى في الكمالات إلى غير نهاية ، فمقامه في المستقبل أعلى منه في الماضي وهكذا ، ويدل لذلك أيضاً قوله في الحديث : " إني ليغان على قلبي ، فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " فاستغفاره لكونه ارتقى مقاماً أعلى من الأول ، فرأى أن الذي انتقل منه بالنسبة للذي انتقل إليه ذنباً . قوله : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ } ( في الآخرة ) المناسب أن يبقى على عمومها ، لأن اعطاءه حتى يرضى ، ليس قاصراً على الآخرة ، بل عام في الدنيا والآخرة ، فهو وعد شامل ، لما أعطاه له من كمال النفس وظهور الأمور واعلاء الدين ، ولما ادخر له ما لا يعلم كنهه سواه تعالى ، وقيل : عطاؤه هو الشفاعة ، وقيل : يعطيك ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابها المسك ، وفيها ما يليق بها ، والحق التعميم بما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى . قوله : ( وواحد من أمتي ) أي الموحدين ، فالمراد أمة الإجابة وقد أشار لذلك بعض العارفين بقوله :