Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 6-11)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً } الخ ، القصد من هذا تسليته صلى الله عليه وسلم ليزداد شكراً وصبراً ، والوجود بمعنى العلم فـ { يَتِيماً } مفعول ثان ، والكاف مفعوله الأول ، قوله : ( استفهام تقريري ) أي بما بعد النفي . قوله : ( يفقد أبيك ) مصدر مضاف لمفعوله . قوله : ( قبل ولادتك ) أي بعد حمله بشهرين ، وقيل قبل ولادته بشهرين ، وقوله : ( أو بعدها ) أي وعليه فقيل بشهرين ، وقيل بسبعة ، وقيل بتسعة أشهر ، وقيل بثمانية وعشرين شهراً ، والصحيح الأول ، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة ، ودفن في دار التبابعة ، وقيل دفن بالإبواء قرية من أعمال الفرع ، وتوفيت أمه وهو ابن أربع سنوات ، وقيل خمس ، وقيل ست ، وقيل سبع ، وقيل ثمان ، وقيل تسع ، وقيل ثنتي عشرة سنة وشهر وعشرة آيام ، وكانت وفاتها بالأبواء ، وقيل بالحجون ، ومات جده عبد المطلب وهو بان ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب ، لأنه كان شقيق أبيه ، وورد أنه لما مات أبواه قالت الملائكة : بقي نبيك يتمياً ، فقال الله تعالى : أنا له كافل ، وسئل بعض العلماء : لم يتم صلى الله عليه وسلم فقال : لئلا يكون لمخلوق عليه منه ، فيتمه صلى الله عليه وسلم كمال ، ولذا قال البوصيري : @ كفاك بالعمل في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم @@ قوله : { فَآوَىٰ } العامة على قراءته بألف بعد الهمزة رباعياً ، من آواه يؤويه ، وأصله أأوى بهمزتين : الأولى مفتوحة ، والثانية ساكنة ، أبدلت الثانية ألفاً ، ومصدره الإيواء كالإكرام ، وهو متعد باتفاق ، وقرئ شذوذاً بغير ألف ثلاثياً كرمى ، ومصدره إيواء بوزن كتاب ، وأوى بوزن فعول بالضم ، وأوى بوزن ضرب ، وهو يستعمل لازماً ومتعدياً . قوله : ( بأن ضمك إلى عمك أبي طالب ) أي بعد وفاة جدك عبد المطلب ، وقيل هو من قولهم درة يتمية ؛ والمعنى : ألم يجدك واحداً من قريش عديم النظير ، فآواك إليه ، وشرفك بنبوته ، واصطفاك برسالته . قوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } ( عما أنت عليه الآن من الشريعة ) أي وجدك خالياً من الشريعة ، فهاك بإنزالها إليك ، والمراد بضلاله كونه من غير شريعة ، وليس المراد به الانحراف عن الحق ، لكونه مستحيلاً عليه قبل النبوة وبعدها ، فكذا كقوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] وما ذكره المفسر أحد أقوال في تفسير الآية ، وقيل الضلالة بمعنى الغفلة ، قال تعالى : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] وهو قريب من الأول ، وقيل وجدك ضالاً ، أي في قوم ضلال ، فهداهم الله تعالى بك ، وقيل وجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها ، وقيل ناسياً شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فذكرك ، وقيل وجدك طالباً للقبلة فهداك إليها ، قال تعالى : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 144 ] الآية ، فيكون الضلال بمعنى الطلب والحب ، قال تعالى : { إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] أي محبتك ، وقيل إن حليمة لما ضت حق الرضاع ، جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردع على عبد المطلب ، فسمعت عند باب مكة : هنيئاً لك يا بطحاء مكة ، اليوم يرد الله إليك النور والبهاء والجمال ، قالت : فوضعته لأصلح شأني ، فسمعت هدة شديدة ، فالتفت فلم أره ، فقلت : يا معشر الناس أين الصبي ؟ فقالوا : لم نر شيئاً ، فحصت : وامحمداه ، فإذا شيخ فإن يتوكأ على عصاه فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم ، فإن شاء أن يرده إليك فعل ، ثم طاف الشيخ بالصنم وقيل رأسه وقال : يا رب لما تزل منتك على قريش ، وهذه السعدية كما تزعم أن ابنها قد ضل ، فرده إن شئت ، فانكب على وجهه ، وتساقطت الأصنام وقالت : إليك عنا أيها الشيخ ، فهلاكنا على يد محمد ، فألقى الشيخ عصاه وارتعد وقال : إن لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل ، فانحشرت قريش إلى عبد المطلب وطلبوه في جميع مكة فلم يجدوه ، فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً ، وتضرع إلى الله تعالى أن يرده ، فسمعوا منادياً ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا ، فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه ، وإن محمداً بوادي ثمامة عند شجرة السمر ، فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يلعب بالأغصان وبالورق ، وفي رواية : ما زال عبد الملطب يردد البيت حتى أتاه أبو جهل على ناقة ومحمد صلى الله عليه وسلم بين يديه وهو يقول : ألا تدري ماذا جرى من ابنك ؟ فقال عبد المطلب : ولم ؟ فقال : إن أنخت الناقة وأركبته خلفي ، فأبت الناقة أن تقوم ، فلما أركبته أمامي قامت الناقة . قال ابن عباس : رده الله تعالى إلى جده بيد عدوه ، كما فعل بموسى عليه السلام ، حين حفظه فرعون ، وقيل : أنه عليه السلام ، مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة عند خديجة ، فبينما هو راكب ذت ليلة مظلمة ناقة ، فجاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل عليه السلام ، فنفخ إبليس نفخة وقع منها ألى أرض الحبشة ورده إلى القافلة . قوله : { عَآئِلاً } هذه قراءة العامة ، يقال : عال زيد أي افتقر ، وأعال كثرت عياله ، وقرئ شذوذاً عيلاً بكسر الياء المشددة . قوله : ( بما قنعك به ) أي بما رضاك به وقوله : ( من الغنيمة ) أي وإن كانت لم تحصل إلا بعد نزول هذه السورة ، لكن لما كان الجهاد معلوم الوقوع كان كالواقع ، وقيل : أغناك بمال خديجة وتربية أبي طالب ، ولما اختل ذلك أغناه بمال أبي بكر ، ولما اختل ذلك أمره بالجهاد وأغناه بالغنائم ، لما روي : جعل رزقي تحت ظل سيفي ورمحي . قوله : ( وغيرها ) أي كمال خديجة ، ومال أبي بكر ، وبإعانة الأنصار حين الهجرة . قوله : ( عن كثرة العرض ) بفتحتين المال ، وفي الحديث : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه " قوله : { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ } منصوب بـ { تَقْهَرْ } وهذا مفرع على قوله : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } فالمعنى : أصنع مع عبادي كما صنعت معك . قوله : ( بأخذ ماله ) أي كما كانت العرب تفعل في أموال اليتامى ، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " خير بيت في المسلمين ، بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " ثم قال بأصبعيه : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وهو يشير بأصبعيه . قوله : ( أو غير ذلك ) أي كإذلاله واحتقاره . قوله : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ } منصوب : بـ { تَنْهَرْ } والمعنى : إما أن تطعمه أو ترده برفق ، وقيل : المراد بالسائل ما يشمل طالب العلم ، فيكرمه وينصفه ولا يعبس في وجهه ، ولا يتلقاه بمكروه ، وهذا العموم أولى ، وهو مفرع على قوله : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } والمعنى أغن عبادي وأعطهم ، كما أغنيتك وأعطيتك . قوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } الخ ، هذا عام ، وإنما أخر حق الله تعالى عن حق اليتيم والسائل لأنهما محتاجان ، والله هو الغني ، وتقديم المحتاج أولى ، ولأن المقصود من جميع الطاعات استغراق القلب في ذكر الله تعالى وشكره ، فختمت به للعموم . قوله : { فَحَدِّثْ } أي بالنعمة ، لأن التحدث بها هو شكرها ، والتحدث بالنعمة جائز لغيره صلى الله عليه وسلم إذا قصد به الشكر ، وأن يقتدي به غيره ، وأمن على نفسه الغرور والكبر ، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : إذا عملت خيراً فحدث به اخوانك ليقتدوا بك . وورد أن شخصاً كان جالساً عنده صلى الله عليه وسلم فرآه رث الثياب فقال له : ألك مال ؟ قال : نعم ، فقال له : " إذا آتاك الله مالاً فلير أثره عليك " وورد : " إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده " وقوله : ( بالنبوة وغيرها ) ، أي من العلوم والقرآن وسائر عطاياه التي لا تتناهى ، وقد فعل صلى الله عليه وسلم فحدث بما أعطاه ربه من النعم ، فبلغ القرآن ، ونشر العلوم ، وأعطى حقوق ربه عز وجل . قوله : ( في بعض الأفعال ) أي وهو { فَآوَىٰ } { فَهَدَىٰ } { فَأَغْنَىٰ } والأصل : فأواك ، فهداك ، فأغناك .