Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-4)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : ( استفهام تقرير ) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي ، لأن الاستفهام إذا دخل على منفي قرره فصار معناه : قد شرحنا ، ولذلك عطف عليه الماضي ، وليس معناه الإنشاء حتى يقال : يلزم عليه عطف الخبر على الإنشاء ، فيما لا محل له من الإعراب ، وهو مردود أو ضعيف ، بل المراد لازمه ، وهو الإخبار بشرح الصدر وما بعده ، فهذه السورة من جملة النعم التي أمر بالتحدث بها في السورة قبلها . قوله : ( أي شرحنا ) الشرح في الأصل بسط اللحم ونحوه ، يقال : شرحت اللحم ، بسطته وشققته ، والمراد هنا توسعة الصدر بالنور الإلهي ، ليسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، فصار مهبط الرحمات ومنبع البركات . قوله : ( بالنبوة وغيرها ) روي أن جبريل عليه السلام أتاه وهو عند مرضعته حليمة ، وهو ابن ثلاث سنين أو أربع ، فشق صدره وأخرج قلبه وغسله ونقاه وملأ علماً وإيماناً ، ثم رده في صدره ، وحكمة ذلك لينشأ على أكمل حال ، ولا يعبث كالأطفال ، وشق أيضاً عند بلوغه عشر سنين ، ليأتي عليه البلوغ ، وهو على أجمل الأخلاق وأطيبها ، وعند البعثة ليتحمل القرآن والعلوم ، وليلة الإسراء ليتهيأ لملاقاة أهل الملأ الأعلى ، ومناجاة الحق جل جلاله ومشاهدته وتلقيه عنه ، فمرات الشق أربع ، زيادة في تنظيفه وتطهيره ، ليكون كاملاً مكملاً ، لا يعلم قدره غير ربه ، والحكمة في قوله : { لَكَ } ولم يقل ألم نشرح صدرك ، التنبيه على أن منافع الرسالة عائدة عليه صلى الله عليه وسلم ، لا لغرض يعود عليه ، تعالى الله عن الأغراض والعلل . قوله : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } معطوف على مدلول الجملة السابقة كأنه قال : قد شرحنا لك صدرك ، { وَوَضَعْنَا } و { عَنكَ } متعلق بـ { وَضَعْنَا } ، وقدمه على المفعول الصريح تعجيلاً للمسرة ، وتشويقاً إلى المؤخر . قوله : { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } الإنقاض في الأصل الصوت الخفي الذي يسمع من الرحل فوق البعير من شدة الحمل ، والمراد لازمه وهو الثقل . قوله : ( وهذا كقوله تعالى يلغفر لك ) الخ ، أي فهو مصروف عن ظاهره ، فيجاب عنه بأجوبة منها : أن المراد { وَوَضَعْنَا عَنكَ } وزر أمتك ، وإنما أضافها إليه لاشتغال قلبه بها ، قال تعالى : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ التوبة : 128 ] فأوزار أمته قبل إسلامهم ، موضوعة عنهم بالإسلام ، فلا يؤاخذون بها ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، وبعد الإسلام توضع عنهم التوبة أو بشفاعته صلى الله عليه وسلم لمن مات مصراً . ومنها : أن المراد { وَضَعْنَا عَنكَ } أثقال النبوة والتبليغ ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في ابتداء البعثة ، يشق عليه الأمر ويقول : أخاف ألا أقوم بحق الدعوة ، فوضعه الله عنه ، ومنها : أن المراد بالوزر خلاف الأولى ، فكان إذا ارتبكه وعاتبه الله عليه ، ثقل ذلك الأمر عليه وشق ، وتسميته وزراً بالنسبة لمقامه ، من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، كإذنه للمنافقين في التخلف حين اعتذروا ، وأخذه الفداء من أسارى بدر ، ونحو ذلك . ومنها : أن المراد بالوضع العصمة ، فالمعنى : عصمناك من الوزر ابتداء وانتهاء ، فلم نقدر عليك وزراً أصلاً . وكل من هذه الأجوبة صحيح ، ولا مانع من حمل الآية على الجميع . قوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي أعلناه ، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك ، وأمرناهم بالبشارة بك ، ولا دين إلا دينك يظهر عليه ، وأخذنا على الأنبياء العهد إن ظهرت وأحدهم حي ، ليؤمنن بك ولينصرنك ، وهم يأخذون على أممهم ذلك العهد ، كما تقدم في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [ آل عمران : 81 ] الآية ، وفي هذه المعنى قال البوصيري : @ ما مضت من الرسل إلا بشرت قومها بك الأنبياء @@ والحكمة في زيادة لك ما سبق ، مع أن رفع الذكر عائد ثمرته عليه ، لا لغرض يعود عليه تعالى . قوله : ( والخطبة ) أي على المنابر ، وخطبة النكاح . قوله : ( وغيرها ) أي كيوم الفطر الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق وعند رمي الجمار وعلى الصفا والمروة ومشارق الأرض ومغاربها ، ولو أن رجلاً ، عبد الله تعالى ، وصدق بالجنة والنار ، وكل شيء ، ولم يشهد أن محمداً رسول الله ، لم ينتفع بشيء وكان كافراً .