Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّا } يؤتى بإن لتأكيد الحكم ، والرد على منكر أو شاك ، والمخاطبون فيهم ذلك ، فقد قالوا : من تلقاء نفسه ، وقالوا : أساطير الأولين ، وقالوا : تنزلت به الشياطين ، فرد على جميع ذلك بذكر الإنزال ، لا أنه مختلق ، ولا من أساطير الأولين ، إن قلت : إن المؤمنين يصدقون خبر المولى بلا توكيد ، والكافرون يعاندون ولو تعدد التأكيد . أجيب بجوابين ، الأول : يمنع أن الكافرين يعاندون مع التأكيد ، فإن عادتهم الانقياد للتأكيدات ، فربما حصل لهم هداية بسبب ذلك . الثاني : على تسليم أنهم يعاندون من التأكيد ، فلا نسلم حصر إن في التأكيد ، بل قد يؤتى بها ترغيباً في تلقي الخبر ، والتنبيه بعظيم قدره وشرف حكمه ، ويحتمل أنها للمتلكم المعظم نفسه ، وهو الله تعالى ، إشعاراً بتعظيم المنزل والمنزل به ، ويحتمل أنها للمتكلم ومعه غيره ، فإن الله أنزله ، والملائكة لهم مدخلية في انزاله ، والمعنى : إنا وملائكة قدسنا أنزلناه على حد { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ } [ الأحزاب : 56 ] والإسناد لله حقيقة إجماعاً ، وللملائكة قيل كذلك ، وقيل مجاوز عليه ، فلا مانع من الجمع بين الحقيقة والمجاز يقال : بنى الأمير وعملته المدينة ، ولا يعترض بالجمع بين القديم والحادث في ضمير واحد ، فإنه حاصل في ضمير { يُصَلُّونَ } { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] ونحوه ، وأما قوله عليه السلام للخطيب : بئس الخطيب لما قال : من يطع الله ورسوله فقد اهتدى ، ومن بعصهما فقد غوى فأن الخطب محل إطناب ، وقيل : وقف على قوله ومن يعصهما قبل الجواب . قوله : { أَنزَلْنَاهُ } إن قلت الإنزال وصف للأجسام ، والقرآن عرض لا جسم ، فيكف يوصف بالإنزال ؟ أجيب بجوابين ، الأول : أن الإنزال بمعنى الإيحاء ، وفي الكلام استعارة تبعية ، حيث شبه الإيحاء بالإنزال ، واستعير الإيحاء للإنزال ، واشتق من الإنزال أنزلناه بمعنى أوحينا . الثاني : إن إسناد النزول إليه مجاز عقلي ، وحقه أن يسند لحامله ، فالتجوز إما في الظرف أو الإسناد . قوله : ( أي القرآن ) أشار بذلك إلى أن الضمير في { أَنزَلْنَاهُ } عائد على القرآن . إن قلت : إنه لم يتقدم له ذكر . أجيب : بأنه اتكل على عظم قدره وشهرة أمره ، حتى لا يحتاج للتصريح . قوله : ( جملة واحدة من اللوح المحفوظ ) الخ ، أي ثم نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً مفرقة في مدة عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة ، الخ ، ومعنى إنزاله جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ؛ أن جبريل أملاه على ملائكة السماء الدنيا فكتبوه في صحف ، وكانت تلك الصحف في محل من تلك السماء يقال له بيت العزة . قوله : ( من سماء الدنيا ) أي بيت العزة منها ، وما ذكره المفسر ، من أن المراد إنزال القرآن جملة إلى سماء الدنيا ، أحد أقوال في تفسير الآية ، وقيل : المعنى ابتدأنا إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم تلك الليلة . إن قلت : إن البعثة على رأس الأربعين وميلاده كان في ربيع ، فيكف يكون مبدأ الوحي في رمضان ليلة القدر ؟ أجيب : بأنه ألغى الكسر أو جبر أو ذلك ، بناء على أن ميلاده في رمضان ؛ وقد قيل به ، أو مبدأ الوحي المنام في ربيع ، ومبدأ إنزال القرآن في رمضان ، وحكمة إنزاله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ثم إنزاله منها مفرقاً ولم ينزله مفرقاً من اللوح ، أن سماء الدنيا مشتركة بين العالم العلوي والسفلي ، فإنزاله إليها جملة فيها تعجيل لمسرته بنزول جميعه عليه ، وإنزاله منها مفرقاً فيه تأنيس للقلوب ، وترويج للنفوس ، وتلطف به صلى الله عليه وسلم وبأمته ، فلم يفته نزوله جملة ولا مفرقاً . قوله : ( الشرف والعظم ) هذا أحد اقوال ، وقيل : { ٱلْقَدْرِ } بمعنى تقدير الأمور ، أي إظهارها في دواوين الملإ الأعلى ، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ، من أمر الموت والأجل والرزق وغير ذلك ، ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم الأربعة الرؤساء : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وقولنا : أي إظهارها في دواوين الملأ الأعلى ، يدفع ما أورد أن تقدير الأمور أزلي ، فإن قلت : إن تقدير الأمور ليلة النصف من شعبان يجاب : بأن ابتداء التقدير ليلة النصف من شعبان وتسليمه للملائكة ليلة القدر ، وقيل : القدر بمعنى الضيق من قوله : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [ الفجر : 16 ] { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } [ الأنبياء : 87 ] لضيق الفضاء بازدحام مواكب الملائكة فيها . قوله : { مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } أي ما مقدار شرفها ، وليس المراد ما حقيقتها ، فإنها مدة مخصوصة من الزمن . قوله : ( تعظيم لشأنها ) أي تفخيم لأمرها ، قال سفيان بن عيينة : إن كل ما في القرآن من قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ } أعلم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيه ، وما يدريك لم يعلمه به ، والمراد إعلام الله تعالى في ذلك السياق نفسه ، فلا ينافي أنه عليه السلام لم يخرج من الدنيا ، حتى أعلمه الله بكل ما خفي عنه مما يمكن البشر علمه ، وأما التسوية بين علم القديم والحادث فكفر . قوله : { خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، واختلف في حكمة ذكر العدد ، فقيل : المقصود الكثرة ، وقيل : إنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل ، حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله عز وجل ألف شهر ، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ، وتمنى ذلك لأمته فقال : يا رب جعلت أمتي أقصرر الأمم أعماراً وأقلها أعمالاً ، فأعطاه الله ليلة القدر ، فهي من خصائص هذه الأمة ، وهي باقية على الصحيح ، خلافاً لمن قال برفعها مستدلاً بحديث : " خرجت لأعلمكم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت " ورد بأن الذي رفع تعيينها بدليل أن في آخر الحديث نفسه " وعسى أني كون خيراً لكم ، فالتمسوها في العشر الأواخر " إذ رفعها بالمرة لا خير فيه ، ولا يتأتى معه التماس . إن قلت : الرفع بسبب الملاحاة ، يقتضي أنه من شؤم الملاحاة ، فكيف يكون خيراً ؟ قلت : هو كالبلاء الحاصل بشؤم معصية بعض العصاة ، فإذا تلقى بالرضا والتسليم صار خيراً . إن قلت : فما هو الذي فات بشؤم الملاحاة ؟ وما هو الخير الذي حصل ؟ قلت : الفائت معرفة عينها ، حتى يحصل غاية الجد والاجتهاد في خصوصها ، والخير الذي حصل ، هو الحرص على التماسها حتى يحيي ليالي كثيرة ، وفي الجمعة قالوا : أخفى الرب أموراً في أمور لحكم : ليلة القدر في الليالي لتحيا جميعها وساعة الإجابة في الجمعة ليدعى في جميعها ، والصلاة الوسطى في الصلوات ليحافظ على الكل . والاسم الأعظم في أسمائه ليدعى بالجميع ورضاه في طاعته ليحرص العبد على جميع الطاعات وغضبه في معاصيه لينزجر عن الكل . والولي في المؤمنين ليحسن الظن بكل منهم . ومجيء الساعة في الأوقات للخوف منها دائماً . وأجل الإنسان عنه ليكون دائماً على أهبة . فعلى هذا يحصل ثوابها لمن قامها ولو لم يعلمها ، نعم العالم بها أكمل ، هذا هو الأظهر ، واختلفت المذاهب فيها ، فقال مالك : إنها دائرة في العام كله ، والغالب كونها في رمضان ، والغالب كونها في العشر الأواخر منه . وقال أبو حنيفة والشافعي : هي في رمضان لا تنتقل منه والغالب كونها في العشر الأواخر ، واشتهر عن أبي بن كعب وابن عباس وكثير أنها ليلة السابع والعشرين ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر التي أعز الله بها الدين ، وأنزل الله ملائكته فيها مدداً للمسلمين ، وأيده بعضهم بطريق الإشارة ، بأن عدد كلمات السورة ثلاثون كأيام رمضان ، واتفق أن كلمة هي تمام سعبة وعشرين ، وطريق آخر في الإشارة ، أن حروف ليلة القدر تسعة ، وقد ذكرت في السورة ثلاث مرات ، وثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين ، ونقل عن بعض أهل الكشف ضبطها بأول الشهر مع أيام الأسبوع ، فعن أبي الحسن الشاذلي : إن كان أوله الأحد فليله تسع وعشرين ، أو الاثنين فإحدى وعشرين ، أو ثلاثاء فسبع وعشرين ، أو الأربعاء فتسع وعشرين ، أو الخميس فخمس وعشرين ، أو الجمعة فسبع عشرة ، أو السبت فثلاث وعشرين . ومنها ما قاله بعضهم : @ يا حب الاثنين والجمعة مواعيدك واحد والأربعا طي لتبعيدك بكالى السبت هيي يا خميس عيدك كابد ثلاثاً ليالي القدر مع سيدك @@ فإذا كان أول الشهر الاثنين أو الجمعة تكون ليلة إحدى وعشرين ورمزه يا حب بالجمل ، أو الأحد أو الأربعاء فتسع وعشرين ورمزه طي ، أو السبت فثلاث وعشرين رمز بكالى ، أو الخميس فخمس وعشرين ورمزه هيي ، أو الثلاثاء فسبع وعشرين ورمزه كابد ، والمشهور في ألسنة علماء الحديث أنا لغالب كونها في العشر الأواخر ، وأنها في الأوتار ، قال سيدي أحمد زروق وغيره : لا تفارق ليلة جمعة من أوتار آخر الشهر ، ونحوه عن ابن العربي . قوله : ( ليس فيها ليلة القدر ) جواب عما يقال : إن الألف شهر لا بد فيها من ليلة القدر ، فيلزم عليه تفضيل الشيء على نفسه وغيره . قوله : ( فالعالم الصالح فيها ) أي من صلاة ودعاء وتسبيح وغير ذلك .