Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 4-5)

Tafsir: Ḥāšīyat aṣ-Ṣāwī ʿalā tafsīr al-Ǧalālayn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } أصله تتنزل بتاءين ، حذفت إحداهما تخفيفاً كما قال المفسر ، على حد قول ابن مالك : @ وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تاء كتبين العبر @@ والتاء في ملائكة لتأنيث الجمع ، وإذا حذفت امتنع صرفه لصيغة منتهى الجموع ، وبه يلغز فيقال ؛ كلمة إذا حذفت من آخرها حرف امتنع صرفها ، جمع ملك وأصله ملأك ووزنه فعال ، فالهمزة زائدة ، ومادته تدل على الملك والقوة والسلطنة ، وقيل : وزنه مفعل فالميم زائدة ، وقيل : هو مقلوب وأصله ملك من الألوكة وهي الرسالة ، قلب قلباً مكانياً فصار ملأك ، وفي وزنه قولان المتقدمان ، وعلى كل فيقال : سقطت الهمزة فصار ملك ، والملائكة أجسام نورانية ، لا يوصوفون بذكورة ولا بأنوثة ، لهم قدرة على التشكيلات بالصورة الغير الخسيسة ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، وعبر بـ { تَنَزَّلُ } إشارة إلى أنهم ينزلون طائفة بعد طائفة ، فينزل فوج ويصعد فوج ، وروي أنه إذا كان ليلة القدر ، تنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى ، وجبريل عليه السلام ومعه أربعة ألوية ، فينصب لواء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولواء على ظهر بيت المقدس ، ولواء على ظهر المسجد الحرام ، ولواء على ظهر طور سيناء ، ولا يدع بيتاً فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخله وسلم عليه ويقول : يا مؤمن أو يا مؤمنة ، السلام يقرئكم السلام إلا على مدمن خمر ، وقاطع رحم ، وآكل لحم الخنزير . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان ليلة القدر ، نزل جبريل في كبكبة من الملائكة ، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى " . وروي أن الملائكة في تلك الليلة ، أكثر من عدد الحصى . قوله : { وَٱلرُّوحُ } إما مرفوع بالابتداء والجار بعد خبره ، أو بالفاعلية عطفاً على { ٱلْمَلاَئِكَةُ } قوله : ( جبريل ) هذا أحد أقوال في تفسير الروح ، وعليه فعطف الروح على الملائكة عطف على خاص لشرفه ، وقيل : الروح نوع مخصوص منهم ، وقيل : خلق آخر غير الملائكة ، وقيل : أرواح بني آدم ، وقيل : عيسى مع الملائكة ، وقيل : ملك عظيم الخلقة تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وله ألف رأس ، كل رأس أعظم من الدنيا ، وفي كل رأس ألف وجه ، وفي وجه ألم فم ، وفي كل فم ألف لسان ، يسبح الله تعالى بكل لسان ألف نوع من التسبيح والتحميد والتمجيد ، ولكل لسان لغة لا تشبه لغة الآخر ، فإذا فتح أفواهه بالتسبيح ، خرت ملائكة السماوات السبع سجداً مخافة أن يحرقهم نور أفواهه ، وإنما يسبح الله غدوة وعشية ، فينزل في ليلة القدر لشرفها وعلو شأنها ، فيستغفر للصائمين والصائمات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الأفواه كلها إلى طلوع الفجر . قوله : { فِيهَا } إما متعلق بـ { تَنَزَّلُ } أو حال من { ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } وقوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِم } : إما متعلق بـ { تَنَزَّلُ } أو بمحذوف حال أيضاً ، والمعنى { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } حال كونهم متلبسين { بِإِذْنِ رَبِّهِم } لا من تلقاء أنفسهم . قوله : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } يحتمل أن { مِّن } بمعنى باء السببية ، وعليه درج المفسر ، ويصح أنها للتعليل متعلق بـ { تَنَزَّلُ } أي تنزل من أجل كل أمر . قوله : ( قضاه الله فيها ) أي أراد إظهاره لملائكته ، هذه هو المراد بالقضاء فيها ، لا القضاء الأزلي ، قوله : ( لتلك السنة ) أي مما هو منسوب لتلك السنة ، من أجل أمر الموت والأجل الرزق وغير ذلك . قوله : ( إلى قابل ) متعلق بمحذوف تقديره من تلك الليلة إلى مثلها من قابل . قوله : { سَلاَمٌ هِيَ } يصح أن يكون ضمير هي عائداً على { ٱلْمَلاَئِكَةُ } و { سَلاَمٌ } بمعنى التسليم ، والمعنى أن الملائكة يسلمون على المؤمنين ، ويصح أن يعود على ليلة القدر سلام أيضاً بمعنى التسليم ، والمعنى أن الليلة ذات تسليم من الملائكة على المؤمنين أو على بعضهم بعضاً ، ويصح على هذا الوجه أن يجعل سلام بمعنى سلامة ، أي ليلة القدر ذات سلامة من كل شر ، قال القرطبي : ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها حتى مطلع الفجر ، وقال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة إلى السلامة ، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة ، وقيل : هي ذات سلام من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة . قوله : ( خبر مقدم ) أي فيفيد الحصر أي ما هي إلا سلام ، وجعلت عين السلام مبالغة على حد : زيد عدل ، وما ذكره المفسر وهو المشهور ، وجوز الأخفش رفع سلام بالابتداء ، وهي بالفاعلية به ، لأنه لا يشترط عنده اعتماد الوصف على نفي أو استفهام . قوله : { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } متعلق بـ { تَنَزَّلُ } وهو ظاهر أو بسلام ، وفيه أنه يلزم عليه الفصل بين الصدر ومعموله بأجبني وهو المبتدأ على إعراب المفسر ، إلا أن يتوسع في الجار ، وأما على إعراب الأخفش فلا إشكال . قوله : ( بفتح اللام وكسرها ) أي وهما سبعيتان ، وهل هما مصدران ، أو المفتوح مصدر ، والمكسور اسم مكان ؟ خلاف . فائدة : ذكر العلماء لليلة القدر علامات منها : قلة نبح الكلاب ، ونهيق الحمير ، وعذوبة الماء الملح ، ورؤية كل مخلوق ساجداً لله تعالى ، وسماع كل شيء يذكر الله بلسان المقال ، وكونها ليلة بلجة مضيئة مشرقة بالأنوار ، وطلوع الشمس يومها صافية نقية ، ليست بين قرني الشيطان كيوم غيرها ؛ وأحسن ما يدعى به في تلك الليلة العفو والعافية كما ورد ، وينبغي لمن شق عليه طول القيام ، أن يتخير ما ورد في قراءته كثرة الثواب ، كآية الكرسي فقد ورد أنها أفضل أية في القرآن ، وكأواخر البقرة لما ورد من قام بهما في ليلة كتفاه ، وكسورة إذا زلزلت لما ورد أنها تعدل نصف القرآن ، وكسورة الكافرون لما ورد أنها تعدل ربع القرآن ، والإخلاص تعدل ثلثه ، ويس لما ورد أنها قلب القرآن وأنها لما قرئت له ، ويكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل وأنواع الذكر ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو بما أحب لنفسه ولأحبابه أحياء وأمواتاً ويتصدق بما تيسر له ، ويحفظ جوارحه عن المعاصي ، ويكفي في قيامها صلاة العشاء والصبح في جماعة ، وورد " من صل المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظ وافر من ليلة القدر " وورد " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام شطر الليل ، فإذا صلى الصبح في جماعة فكأنما قام شطره الآخر " وقد ورد " من قال لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ثلاث مرات ، كان كمن أدرك ليلة القدر " فينبغي الإتيان بذلك كل ليلة .