Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 33-38)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ } [ هود : 33 ] فيه إشارة بهم إلى أن وقوع العذاب بمشيئة الله لا بالأعمال الموجبة للوقوع ، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ هود : 33 ] أي : بمعجزي الله أن يأتيكم العذاب في الدنيا والآخرة ، { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ } [ هود : 34 ] في الأزل ، { أَن يُغْوِيَكُمْ } [ هود : 34 ] إشارة إلى أن نصح الأنبياء ودعوتهم لا يفيد الهداية مع إرادة الله الغواية . { هُوَ رَبُّكُمْ } [ هود : 34 ] أي : استعداد ، { مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } [ الانفطار : 8 ] أي : صفة من السعادة التي أراد بكم ربكم ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ هود : 34 ] على طريق السعادة والشقاوة كما شاء في الأزل ، { أَمْ يَقُولُونَ } [ هود : 35 ] النفس والهوى والطبيعة ، { ٱفْتَرَاهُ } [ هود : 35 ] الروح ، هذه المعاني من عنده . { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } [ هود : 35 ] أي : إجرام افترائي ، { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] من التكذيب ، وفيه إشارة إلى أن ذنوب النفس لا تنافي صفاء الروح ولا يكدرها ما كان الروح متبرئاً من ذنوب النفس متأسفاً على معاملات النفس وتتبع هواها . ثم أخبر عن أهل الإيمان وأهل الخذلان بقوله تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ } [ هود : 36 ] أي : نوح الروح ، { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ } [ هود : 36 ] وهم القلب وصفاته ، والسر والنفس وصفاتها ، والبدن وجوارحه ، { إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] من خواص العباد وهم : القلب وصفاته ، والسر وصفات النفس والبدن وجوارحه ، فأمَّا النفس فإنها لا تؤمن أبداً اللهم إلا نفوس الأنبياء - عليهم السلام - وخواص الأولياء ، فإنها تسلم أحياناً دون الإيمان وحال النفوس كأحوال الأعراب كقوله تعالى : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 14 ] فإن معدن الإيمان القلوب ومظهر الإسلام النفوس ؛ لأن الإسلام الحقيقي الذي قال تعالى فيه : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] وهو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الإيمان ، وأمَّا إسلام الأعراب إذ قال تعالى لهم : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 14 ] لم يكن ضوء منعكساً من مرآة القلب المنور ، ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع في كلمة التوحيد والشهادتين والأعمال الصالحة المشروعة عند إتيانها بالصدق . فاعلم أن إيمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عناية القلوب القابلة للفيض الإلهي بلا واسطة ، وإيمان العوام يدخل في قلوبهم من طريق الإقرار باللسان والعمل بالأركان ، { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ هود : 36 ] نفوس السعداء من أعمال الشر ، فإنها لهم كالجسد للإكسير ينقلب ذهباً مقبولاً عند طرح الروح عليها ، كذلك تنقلب أعمال الشر خيراً عند طرح التوبة عليها . كما قال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] ولا تبتئس على نفوس الأشقياء بما كانوا يفعلون ؛ لأنها حجة الله على شقاوتهم وبتلك السلاسل يسبحون في النار على وجوههم . { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } [ هود : 37 ] أي : اتخذ يا نوح الروح سفينة الشريعة بنظرنا لا بنظرك ، فإن نظرك تبع الحواس يبصر ظاهرها ، ويفعل عن حقائقها وأسرارها وحكمها ومعانيها ، فتجرد عن آفات الحواس والوهم والخيال والنفس وصفاتها والعقل المنسوب بها ؛ لتستحق تزكية النفس تحليها الإلهامات الربانية بفجور النفس وتقواها ؛ لتكون سفينة الشريعة معمولة لنجاة راكبها من طوفان النفس والدنيا . { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } [ هود : 37 ] أي : النفوس فإن الظالم شيمتها ، { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] ؛ لأنها تضع الأشياء في غير موضعها تضع عبادة الحق في هواها والدنيا وشهواتها ، وهذا الخطاب يحسم مادة الطمع من إيمان النفوس ، وفيها حكمة يطول شرحها ، ومنها ترقي أهل الكمالات إلى الأبد ، فافهم جدّاً . وإن النفس ممكر مكر الحق حتى لا يأمن منها وصفاتها ، { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } [ هود : 37 ] في طوفان الفتن إلا من سلمه الله منه ، والسلامة في ركوب سفينة الشريعة فإن نوح الروح إن لم يركبها كان من المغرقين . { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ } [ هود : 38 ] أي : عند تركيب أركان سفينة الشريعة واستعمالها ، { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ } [ هود : 38 ] وهم النفس وهواها وصفاتها ، { سَخِرُواْ مِنْهُ } [ هود : 38 ] أي : استعمال أركان الشريعة الظاهرة ، فإنها بمعزل عن أسرارها وأنوارها ، { قَالَ } [ هود : 38 ] يعني : نوح الروح ، { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا } [ هود : 38 ] بجهلكم عن فائدة هذه السفينة ، { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [ هود : 38 ] إذ نجونا وهلكتم لعلمنا بها وجهلكم بها ، { كَمَا تَسْخَرُونَ } [ هود : 38 ] منا بجهلكم بها .