Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إحاطة علمه بجميع الأشياء من الأموات والأحياء لقوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] ونشأها لتكفل أيام تفضلاً ورحمة ، وإنا إلى لطف الوصول تحقيقاً لوصول وحملاً عن التوكيل فيه إلى قوله : { يَسْتَهْزِءُونَ } [ هود : 8 ] . وقوله : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] يشير إلى أن كل حيوان خلقه الله تعالى صفة مخصوصة وبجنسه ، ولكل جنس منه غذاء مخصوص ذلك الجنس ، فعلى ذمة كرم الله أنه كما خلق أجسادهم يخلق غذائهم ملائماً لأجسادهم ويرزقهم دهم ويرزقهم منه ما يصلح لكل جنس من الحيوان أو يعلم ، { مُسْتَقَرَّهَا } [ هود : 6 ] في العدم ، ويعلم أنه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها . ويعلم { وَمُسْتَوْدَعَهَا } [ هود : 6 ] الذي تؤل إليه عند استكمال صورتها ومعناها المستودع فيها ، وللإنسان خاصة يعلم مستقر روحه في عالم الأرواح أكان في الصف الأول ، أو في الثاني ، أو في الثالث ، أو في الرابع ، فإنه جاء في معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " إن الأرواح كانت في أربعة صفوف : كان في الصف الأول : أرواح الأنبياء وأرواح خواص الأولياء . وفي الصف الثاني : أرواح الأولياء وأرواح خواص المؤمنين . وفي الصف الثالث : أرواح المؤمنين والمسلمين . وفي الصف الرابع : أرواح الكفار والمنافقين ، ويعلم مستودع روحه عنه استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران ، ودرجات الجنات إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ هود : 6 ] أي : عنده في أم الكتاب التي لا تعبر منه من المحو والإثبات . ثم أخبر عن الإنسان من بين سائر المخلوقات ، فإن خلق أصناف المكونات كانت تبعاً لوجوده وسبباً لاستكماله في السعادة والشقاوة ، فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ هود : 7 ] سماوات الأرواح والملكوت { وَٱلأَرْضَ } [ هود : 7 ] أرض الأجسام والأجساد ؛ معناه : خلق السماوات والأرض لحكمة بالغة وهي أن يجعلهما مساكن لعباده ، وينعمهم بأنواع النعم ، ويكلفهم بالأمر والنهي عن المنكر ، وأطاع التائب بالجنة ومن دون ذلك بالنار ، { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ هود : 7 ] في ستة أصناف : جماد ومعدن ونبات وحيوان وإنسان وأرواح ، ولكل صنف منها أنواع يطول شرحها . { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } [ هود : 7 ] أي : خلق السماوات والأرض لأنه لم يكن تحت العرش سوى الماء ، وكان ذلك الماء من الريح ، { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] يعني : هذه الأصناف من المخلوقات مقتضيات لوجود الإنسان وتربيته ومعرفة نفسه ومعرفة خالقه وسعادته وشقاوته ، فإن العالم بما فيه محل الابتلاء ومحل السعد أو الأشقياء ، وإن الابتلاء على قسمين : قسم للسعداء : وهو بلاء حسن وذلك أن السعيد لا يجعل المكونات مطلبه ومقصده الأصلي بل يجعل ذلك حضرة المولى والرفيق الأعلى ، ويجعل ما سوى المولى بإذن مولاه وأمره ونهيه وسيلة إلى القربات وتحصيل الكمالات ، فهو أحسن عملاً ، وقسم للأشقياء : وهو بلاء سيء وذلك أن الشقي يجعل المكونات مطلبه ومقصده الأصلي ويتقيد بشهواتها ولذاتها ، ولم يتخلص من نار الحرص عليها والحسرة على فواتها ، ويجعل ما أنعم الله عليه من الطاعات والعلوم التي هي ذريعة إلى الدرجات والقربات وسيلة إلى نيل مقاصده الفانية واستيفاء شهواته النفسانية فهو أسوء عمل . { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ } [ هود : 7 ] يعني : لئن قلت للأشقياء موتوا عن الطبيعة باستعمال الشريعة ومزاولة الطريقة ؛ لتحيوا بالحقيقة ، فإن الحياة الحقيقية يكون بعد الموت عن الحياة الطبيعية ، { لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [ هود : 7 ] أي : ستروا استعدادهم الفطري يتعلق المكونات ومحبتها وهم الأشقياء ، { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ هود : 7 ] كلام مموه لا أصل له ، { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } [ هود : 8 ] أي : ذوق العذاب وهو ألم البعد ؛ لأن العذاب واقع لهم ، ولكن لا يذوقون ألمه ولهذا يقال يوم القيامة : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأحقاف : 34 ] . { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } [ هود : 8 ] أي : إلى حين ظهور ذوق العذاب للأمة المعدودة من الأشقياء ليكونوا في جملتهم ، { لَّيَقُولُنَّ } [ هود : 8 ] الأشقياء من غاية غفلتهم ونهاية شقوتهم ، { مَا يَحْبِسُهُ } [ هود : 8 ] أي : ما يحبس العذاب عنا ، { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } [ هود : 8 ] أي : عذاب البعد حين يأتي كل واحد من الأشقياء باستجلاب ترك المأمورات ، واستجلاب إتيان المنهيات لا يفارقهم ، { وَحَاقَ بِهِم } [ هود : 8 ] أي : لزمهم ووجب عليهم . { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } [ هود : 8 ] جزاء ما كانوا يظنون بالله ظن السوء ويتكلمون به استهزاء ، فإن جزاء أعمال العباد من الخير والشر تصل إلى القال في الحال بتصفية القلب عن صد الحجب ، والأخلاق الذميمة النفسانية ، وتحليته بأنوار شواهد الحق ، والأخلاق الحميدة الروحانية والربانية ، ولكن لا يرى في الدنيا بعين اليقين وحق اليقين ، وإنما يرى في الآخرة إذ قيل لهم : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] ، { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 8 ] . ثم أخبر عن غفلة الإنسان في الدنيا عن الخير والشر والنفع والضر ، ولقوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } [ هود : 9 ] إلى قوله : { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ هود : 11 ] ، { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } أي : أذقناهم بعض المقامات من قربنا ، وبعض المشاهدات من شواهدنا ، { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } [ هود : 9 ] بشؤم بعض خطاياه وزلاته ابتلاءً وامتحاناً غيرة وعزة لئلا يجترئ في سوء الأدب ، { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } [ هود : 9 ] أي : من خصوصية الإنسان أن ييأس من روح الله ويقنط من رحمته جهلاً منه عند ابتلاءه بإصابة ذنب وخطأ ، { كَفُورٌ } [ هود : 9 ] لنعمتنا ؛ وذلك لأن من رحمة الله ونعمة على عبده أنه إذا أسرف على نفسه ، ثم تاب ورجع إلى ربه وجده غفوراً رحيماً ، فمن ابتلي بذل الحجاب والرد عن الباب كان من شرط عبوديته أن لا ييأس من روح الله ولا يكفر بنعمته كإبليس ، بل يرجو رحمة ربه ، وتاب من خطاياه ، واستغفر من ذنوبه ، ويرجع إلى ربه معترفاً بظلمة على نفسه كآدم عليه السلام ليجتبيه ربه فيتوب عليه ويهديه . { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } [ هود : 10 ] أي : أنعمنا عليه بالقبول بعد الرد وأذقناه برد عفونا وحلاوة طاعتنا ، { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } [ هود : 10 ] صرت معصوماً مطهراً مرفوع مدفوع الحجب النقاب فيعجبه نفسه ، فينظر إليها بنظر الإعجاب ، وينظر إلى غيره بنظر الاحتقار ، { إِنَّهُ لَفَرِحٌ } [ هود : 10 ] بما لديه من إعجاب نفسه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] ، { فَخُورٌ } [ هود : 10 ] على الأقران ممكور الرحمن . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [ النساء : 36 ] ، { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] ففي كلتي حالتيه مذموم في حال اليأس وكفران النعمة ، وفي حال الإعجاب بنفسه وأمنه من مكر الله ، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [ هود : 11 ] في حالتي الشدة والرخاء والنعماء والضراء ، فلا يقنطه في الضراء ولا يعجب في النعماء ، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ هود : 11 ] للنعماء صابرين للضراء ، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } [ هود : 11 ] في الشكر ، { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ هود : 11 ] في الصبر .