Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-88)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن فعال ناقصي المكيال بقوله تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ هود : 84 ] القصة قوله : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } يشير إلى أن جميع الأنبياء - عليهم السلام - كانت كلمتهم في التوحيد واحدة لأن الإله واحد وهي الدعوة إلى الواحد بالمعبودية والمعرفة والطلب ، ولأنه { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [ هود : 84 ] تعبدونه وتحبونه وتطلبونه غيره { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } [ هود : 84 ] أي : مكيال المحبة وميزان الطلب ، فإن للمحبة مكيال أو هو عداوة ما سوى الله تعالى كما قال الخليل عليه السلام عند إظهار الخلقة : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 77 ] ، فإنك إن تحب أحداً أو شيئاً مع الله فقد نقصت في مكيال محبة الله ، وإن للطالب ميزاناً وهو السير على قدمي الشريعة والطريقة كما قبل خطوتان وقد وصلت ، فإن خطوت خطوة دونهما فقد نقصت من الميزان . { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } [ هود : 84 ] وهو حسن الاستعداد في طلب الحق ، { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } [ هود : 84 ] وهو عذاب فساد الاستعداد وبطلان طلب غير الحق ، ودوام إحاطته يوم يكمل فينادي : { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } [ هود : 85 ] أي : بالقسط على الله في تعظيم أمره وعلى الخلق في الشفقة عليهم ، { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } حقوقهم من النصيحة وحسن المعاشرة في الله واللهُ ، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [ هود : 85 ] أرض وجودكم ، { مُفْسِدِينَ } [ هود : 85 ] استعدادكم بمخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة ، { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ } [ هود : 86 ] أي : بقاؤكم بإبقاء الله ، { خَيْرٌ لَّكُمْ } [ هود : 86 ] مما فاتكم بإيفاء المكيال والميزان ، { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ هود : 86 ] مصدقين بهذه المقامات والكرامات . { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [ هود : 86 ] أي : بحافظ عليكم حسن استعدادكم ، فإنما على أن أنصح لكم بحفظ الاستعداد وصرفه في طلب الحق ، فإني أدلكم على كيفية الطلب والوجدان ، { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ } [ هود : 87 ] في طلب الحق بزعمك ، { تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } [ هود : 87 ] من الدنيا وشهواتها وتمتعاتها ، { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } [ هود : 87 ] من الترك والإنفاق على الفقراء والإخراج من أيدينا ونحن بها من غيرنا ، { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [ هود : 87 ] فيما تأمرنا أي : ما أنت بحليم ولا رشيد فيما ترشدنا إليه ، { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } [ هود : 88 ] دلالة وهداية من ربي ، { وَرَزَقَنِي مِنْهُ } [ هود : 88 ] أي : من نور هدايته ، { رِزْقاً حَسَناً } [ هود : 88 ] نوراً تاماً أرى صلاح الأمور وفسادها ، فآمركم بطلب الحق ، وأنهاكم عن طلب غير الحق . { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ } [ هود : 88 ] فيما أأمركم به ، { إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ } [ هود : 88 ] إصلاح ما أفسدتم من حسن الاستعداد في طلب غير الحق ، { مَا ٱسْتَطَعْتُ } [ هود : 88 ] أي : بقدر علمي وبذل جهدي ، { وَمَا تَوْفِيقِيۤ } [ هود : 88 ] في الإصلاح ، { إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ هود : 88 ] بعونه وهدايته والتوفيق اختصاص العبد بعناية أزلية ورعاية أبدية ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [ هود : 88 ] فيما اختصني به في الأزل ، { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ هود : 88 ] فيما قدر لي لا إلى غيره ، والتوكل على ثلاثة أوجه : توكل المبتدئ : وهو ترك الأسباب في طلب المعاش . وتوكل المتوسط : وهو ترك طلب المعاش في طلب العيش مع الله . وتوكل المنتهي : وهو استهلاك الوجود في وجود الله وإفناء الاختيار في اختيار الله ؛ ليبقى في هويته بلا هو متصرفاً في الأسباب به ، ولا يرى التصرف والأسباب إلا لمسبب الأسباب .