Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 89-93)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ } [ هود : 89 ] من العذاب ، وذلك إن في طبيعة الإنسان مركوزة من صفات الشيطنة الإباء والاستكبار ، ومن طبعه أنه حريص على ما تبع كان آدم عليه السلام لما منع من أكل الشجرة حرص على أكلها ، فلهاتين الصفتين إذا أمر بشيء أبى واستكبر ، وإذا نهى عن شيء حرص على إتيانه لا سيما إذا صدر الأمر والنهي من إنسان مثله ، فإن طاعة الله هينة القبول بالنسبة إلى طاعة المخلوق ؛ ولأن في الطاعة ذلة وهواناً وكسراً للنفس ، وأن ما يحتمل المخلوق من خالقه أكثر مما يحتمله من مخلوق مثله ، ولهذا السر بعث الله الأنبياء - عليهم السلام - وأمر الخلق بطاعتهم ، فقال : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] فمن كان موفقاً من الله تعالى بالعناية الأزلية يأمر بما أمر به ، وينتهي عما نهي عنه ، ويطيع الرسل فيما جاءوا به أخرجته الطاعة من ظلمات صفات المخلوقة إلى نور صفاته الخالقية ، ومن أدركته الشقاوة في الأزل تداركه الخذلان ، ووكل إلى نفسه وطبعه ، فلا يطيع الله ورسوله ، ويتمرد عن قبول الدعوة ، ويستكبر على الرسول ويعاديه ، ويزد بمعاداته ما أمره الله به فيصيبه قهر الله وعذابه . { مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [ هود : 89 ] أي : وما معاملة قوم لوط من معاملتكم وذنوبهم من ذنوبكم ببعيد ؛ لأن الكفر كله من جنس واحد وصفات الكفر قريب بعضها من بعض ، { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } [ هود : 90 ] من صفات الكفر ومعاملته وبدلوها بصفات الإسلام ومعاملته ، فإنها تزكية النفوس عن الصفات الذميمة ، { ثُمَّ تُوبُوۤاْ } [ هود : 90 ] أي : ارجعوا ، { إِلَيْهِ } [ هود : 90 ] على قدمي الشريعة والطريقة سائرين منكم به ؛ ليحليكم بتحلية الحقيقة وهي الفناء عنكم والبقاء به ، { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ } [ هود : 90 ] السائرين منهم إليه بالتوفيق والتيسير ، { وَدُودٌ } [ هود : 90 ] محب لمحبة هاد لطالبيه ، { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } [ هود : 91 ] في ذلك ؛ لأنهم كانوا من القلب وفقهه بمعزل لهم { قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [ الأعراف : 179 ] . { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } [ هود : 91 ] أي : ضعيف الرأي ناقص العقل ؛ وذلك لأنه كما يرى العاقل السفيه ضعيف الرأي يرى السفيه العاقل ضعيف الرأي ، { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ } [ هود : 91 ] يشير إلى أن الجاهل بصير برؤية الخلق أعمى برؤية الحق ، فهؤلاء قد رأوا رهط شعيب ، وأنهم حفظته ومنعتهم عنهم وما قالوا : إن الله تعالى حافظه وناصره ، ولهذا قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم : { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ } [ الحشر : 13 ] ، ولهذا المعنى ، قالوا : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } [ هود : 91 ] يشير إلى من كان على الله تعالى عزيزاً ، فإنه ليس على الجاهل بعزيز ، { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] أي : جعلتم الخلق من أعينكم فتفزعون منهم ، وجعلتم الله وراء ظهوركم فلا تفزعون منه ، { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ } [ هود : 92 ] في ظاهركم وبما تسترون في باطنكم ، { مُحِيطٌ } [ هود : 92 ] علمه فيجازيكم به . { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } يعني : إذ لا تقبلوا نصيحتي وتعلمون بالطبيعة اعملوا على تمكنكم بالخذلان ، { إِنِّي عَٰمِلٌ } [ هود : 93 ] بالتوفيق في الله ، { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } [ هود : 93 ] وهو عذب البعد والقطيعة ، { وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ } [ هود : 93 ] في دعواه من بيننا ، { وَٱرْتَقِبُوۤاْ } [ هود : 93 ] سخط الله فيما ادعيتم ، { إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } [ هود : 93 ] رقيب مرتقب رضاء الله فيما ادعيت .