Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 106-110)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ } [ يوسف : 106 ] أي : وما يؤمن من أكثر أوصاف الإنسانية بطلب الله والتبديل بصفاته ، { إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] في طلب الدنيا وشهواتها وطلب الآخرة ونعيمها ، وأيضاً وما أكثر الخلق بالله وطلبه إلا وهم مشركون برؤية الإيمان والطلب أنها منهم لا من الله ، فإن من يرى السبب فهو مشرك ، ومن يرى المسبب فهو موحد إن { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } في نظر الموحد { إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . { أَفَأَمِنُوۤاْ } [ يوسف : 107 ] أهل الشرك بالأسباب ، { أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ } [ يوسف : 107 ] وهي أمر من الله بلا سبب من الأسباب ، وفي الحقيقة يشير بالساعة إلى عشق ومحبة من الله بلا سبب من الأسباب ، وقيل : العشق عذاب الله ، { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ يوسف : 107 ] له سبب غير الله . ثم قال : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [ يوسف : 108 ] أي : رؤية الأمور من الله لا من الأسباب ، وأيضاً : { قُلْ } يا محمد هذه الدعوة إلى الله فضلاً عن سبيله ، { سَبِيلِيۤ } وسنتي من بين سائر الأنبياء والرسل ، { أَدْعُوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ } [ يوسف : 108 ] لا إلى سواه ، { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } [ يوسف : 108 ] أي : على معرفة بالسلوك المسلوك إليه ، { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [ يوسف : 108 ] أي : هذه الدعوة مخصوصة لي ولمن اتبعني من أمتي مستسلماً لي عند تسليك الوصول ، { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } [ يوسف : 108 ] أي : تنزيهاً لله على شركة الأسباب ، { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ يوسف : 108 ] في الطلب والمخلصين إلى الأسباب . وقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [ يوسف : 109 ] إشارة إلى أن الرسالة لا يستحقها إلا الرجال البالغون المستعدون للوحي من أهل القرى بالملكوت والأرواح ، لا من أهل المدائن في ملك الأجساد ، ولهذا قبل الرجال من القرى ، { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } [ يوسف : 109 ] أهل مدائن الأجساد المطمئنون إلى الدنيا ، { فِي ٱلأَرْضِ } [ يوسف : 109 ] في أرض البشرية على قدمي الشريعة والطريقة ؛ ليخرجوا من ظلمة الدنيا إلى نور الآخرة ، { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ يوسف : 109 ] إذ رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وليشاهدوا حقيقة قوله : { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون } [ يوسف : 109 ] لتعرضوا عن الزكاة إلى الدنيا الدنية ، وتقبلوا على الآخرة الشريعة في طلب والحقيقة . وفي قوله : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } [ يوسف : 110 ] إشارة إلى أن في إبطاء النصر ابتلاء للرسل والأمم ، فأمَّا الرسل فاستيأسوا وظنوا أنهم وذلك ليس من شأنهم ، وأمَّا الأمم فكذبوا الرسل وليس هذا من حقهم ، ثم يشير بقوله : { جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } [ يوسف : 110 ] إلى أن النصر كان للرسل منجياً عن الابتلاء ، وللأمم المكذبة مهلكة بالعذاب ، ثم أكد هذا المعنى بقوله : { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ يوسف : 110 ] أي : المكذبين ؛ والمعنى : ويرد بأسنا عن القوم المطيعين .