Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 73-76)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يوسف : 73 ] أي : علمتم أننا من المقبلين على يوسف القلب لا من المردودين المعرضين عنه المقبلين على النفس المفسدين في الدنيا كما قالت الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ البقرة : 30 ] { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [ يوسف : 73 ] إذ أخذنا يوسف القلب وألقيناه في جب البشرية ، بل كنا ساعين في نيل مملكة مصر العبودية ؛ ليكون عزيزاً فيها ونحن نكون دليلاً له ، { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } [ يوسف : 74 ] أي : فما جزاء السارق إن كنتم سارقين . { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } [ يوسف : 75 ] أي : جزاء من وجد فيه هذه المشرب نفسه بأن يفديها في طلب الشرب من هذا المشرب ، فإن لكل شارب مشرباً ولكل مشرب فدية ، ففدية مشرب الشارب من مشرب الدنيا صنعته وحرفته ، وكسب فدية شرب الشارب من مشرب الآخرة ترك الدنيا وشهواتها ، وسعادة في الطاعات والعبادات والمجاهدات ، وفدية شرب المشارب من شربة محبة الله وطلبه بذل وجوده الشارب ، { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [ البقرة : 60 ] فهو جزاؤه كل جزاء الحطب الموقد النار الوقود بالنار . { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [ يوسف : 75 ] بل المظلومين الجهولين الذين وضعوا صواع الملك في غير موضعه طمعاً في أن يكون حريف الملك وشربيه قبل بلوغهم ، { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } [ يوسف : 76 ] والإشارة فيه : إن الأوصاف البشرية مستحقة أن يكون سقاية الملك توجد في أوعيتهم ، فإن تلك السقاية إنما توجد في دعاء القلب أو السر . { كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } [ يوسف : 76 ] يعني : كما كاد أوصاف البشرية في الابتداء بيوسف القلب إذا ألقوه في جب البشرية كدنا لهم عند قسمة الأقوات من خيرات الملك جعلنا قسمتهم من علف الدواب ، وقسم بنيامين السر بقوته الملك ، { كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } القلب ، { مَا كَانَ } [ يوسف : 76 ] ليوسف القلب ، { لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } [ يوسف : 76 ] السر ويضمه إلى نفسه ، { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } [ يوسف : 67 ] أي : في طلب دين الملك بل في الملك ، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ يوسف : 76 ] فيدبر تدبير التيسير هذا الشأن العظيم والشأن الجسيم ، فإن المدبر هو الله الرافع لا غيره كقوله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } [ يوسف : 76 ] من عندنا بأن نؤتيه علم الصعود من حضيض البشرية إلى ذروة العبودية بتوفيق الربوبية . { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ } [ يوسف : 76 ] آتيناه علم الصعود ، { عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] بجذبة من المقعد الذي يصعد إليه بالعلم المخلوق إلى مصعد لا يصعد إليه إلا بالعلم القديم ، وهو السير في الله بالله إلى الله ، وهذا إسراع لما يسعه أدعية الإنسان ، واللهُ أعلم .