Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 96-100)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } [ يوسف : 96 ] من حضرة يوسف القلب إلى يعقوب الروح بقميص أنوار الجمال ، { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً } [ يوسف : 96 ] يشير إلى أن يعقوب الروح كان بصيراً في بدء الفطرة ثم عمي ؛ لتعلقه بالدنيا وتصرفه فيها ، ثم ارتد بصيراً بوارد من القلب : @ وَرَدَ البَشيرُ بِما أَقَرَّ الأعيُنا وَشَفى النُفوسَ وَهَزَّ غاياتِ المُنى @@ وفيه إشارة إلى أن القلب في بدء الأمر كان محتاجاً إلى الروح في الاستكمال ، فلمَّا كمل وصلح لقبول فيضان الحق بين الإصبعين ونال مملكة الخلافة بمصر القربة في النهاية صارت الروح محتاجاً إليه لاستنارته بأنوار الحق ؛ وذلك لأن القلب بمثابة المصابيح في قبول أنوار الإلهية ، والروح بمثابة الزيت ، فيحتاج المصباح في البداية بالزيت في قبول النار ، ولكن الزيت محتاج إلى مصباح وتركيبه في النار ليقبل بواسطته النار ، فإن الزيت بلا مصباح وآلاته ليس قابلاً للنار ، فافهم جدّاً . ثم قال : يعني يعقوب الروح لمَّا ارتد بصيراً ، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 96 ] يا أوصاف البشرية ؛ لأنه مخصوص من الله تعالى بنفخته وبالإضافة إلى نفسه تبارك وتعالى بقوله تعالى : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] ، { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [ 97 ] فيما فعلنا معك ومع يوسف القلب بالظلومية والجهولية ، { قَالَ } [ يوسف : 98 ] يعقوب الروح ، { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } بواقعة يوسف القلب حين حضوري مع الله ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } لمن تاب ورجع إليه ، { ٱلرَّحِيمُ } [ يوسف : 98 ] لمن يتوسل إليه بخواصه ومحبته وأوليائه ومقربيه . { فَلَمَّا دَخَلُواْ } [ يوسف : 99 ] يعني : وصلوا الروح وزوجات النفس وأولاده وأوصافه ورفع أبويه على العرش ، إذ قال : { آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } [ يوسف : 99 ] ليعلم أن القلب بمثابة العرش وهو على الحقيقة عرش الرحمن ، وفي الآية تقديم وتأخير في المعنى تقديرها : { عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } وأنه رفع أبويه على العرش ، { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ } [ يوسف : 99 ] أي : مصر حضرة الملك العزيز ، { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } [ يوسف : 99 ] لأن لا يصل إلى حضرته أحد إلا بجذبة مشيئته ، { آمِنِينَ } [ يوسف : 99 ] على الانقطاع عن تلك الحضرة الملك العزيز ، فإنها منزهة عن الاتصال والانفصال والانقطاع عنها . { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً } [ يوسف : 100 ] لما رأوه وعرفوا أنه عرش الحق تبارك وتعالى ، فالسجدة كانت على الحقيقة لرب العرش لا للعرش ، وقال يوسف القلب : { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [ يوسف : 100 ] أي : من قبل الوجود أن كنت نائماً بنوم العدم ، { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } [ يوسف : 100 ] أي : جعلها في عالم الوجود الحقيقي ، { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } [ يوسف : 100 ] أي : من سجن الوجود ؛ ولهذا قال : { أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } ولم يقل من الجب البشرية ، ونعمة إخراجه من سجن الوجود أو فر من نعمة إخراجه من جب البشرية . { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } أي : بدو الطبيعة البشرية ، { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] بالإفساد وقطع رحم الروحانية حتى ألقوني في جب البشرية ، { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ } [ يوسف : 100 ] يريد للطفه ، { لِّمَا يَشَآءُ } [ يوسف : 100 ] من الأمور المهلكة جعلها أسباب سعادة الدارين لمن شاء ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } [ يوسف : 100 ] بما قدر لعباده كيف تبدو بما دبر من الأمر كيف دبر ، { ٱلْحَكِيمُ } [ يوسف : 100 ] فيما قدر ودبر بما دبر في الأزل وما دبر إلى الأبد شيئاً فشيئاً ، بل قدر ودبر بالحكمة البالغة ما شاء كما شاء ، كما أنه تبارك وتعالى قدر ودبر جميع مراتب سلوك الإنسان في عالم البشرية من مبدأ سيره إلى انتهاء وصوله إلى حضرة الربوبية مرتباً على قصة يوسف ويعقوب وولده وعزيز وزوجته - عليهم السلام - وسماها أحسن القصص ؛ لأنها أتم وأكمل في القصص كلها في هذا الشأن .