Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقال : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } [ الرعد : 1 ] أي : تلك الحروف من { الۤمۤر } آيات الكتاب ، وبها يقسم فبالألف منها يشير إلى قوله : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } [ البقرة : 255 ] وباللام يشير إلى : قوله : { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الشورى : 12 ] وبالراء إلى رسوله ، واللهُ أعلم { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } [ الرعد : 1 ] ، فمن القسم وجوابه أن الذي أنزل إليك من ربك من القرآن حق وصدق فمن اعتصم به ، وهو حبل الله ينجيه من الأسفل الذي هبط إليه بقوله : { ٱهْبِطُواْ مِنْهَا } [ البقرة : 38 ] ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بأن هذا القرآن حبل من الله يوصل المعتصم به إليه . ثم قال تأكيداً لإيمان أهل الإيمان به : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [ الرعد : 2 ] يعني : رفعها بالعمد ، وهي القدرة والحكمة ، ولكن لا ترونها أنها قائمة بها يعني الله الذي رفع السماوات بالقدرة والحكمة قادر على أن يوصل المعتصم بحبل القرآن إلى أعلى الدرجات ، وأفضل القربات على أنه جل جلاله ، { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } بعد رفع السماوات من كمال قدرته وحكمته أي : غلبه بقدرته لتدبير المكونات { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } [ الرعد : 2 ] لمصالح العالم ، وإظهار القدرة عليه { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } من آجال الخلق ، والعالم بالإفناء والإحياء والإيجاد والإعدام { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أمر العالم ، فهذا يدل على أن الاستواء لتدبير لا لتشبيه { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [ الرعد : 2 ] التي تدل على كمال القدرة والحكمة { لَعَلَّكُمْ } بهذه الاستدلالات { بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ } [ الرعد : 2 ] بالوصول إليه { تُوقِنُونَ } [ الرعد : 2 ] فتجاهدون في طلبه . { وَهُوَ ٱلَّذِي } من حسن تدبيره { مَدَّ ٱلأَرْضَ } [ الرعد : 3 ] أرض البشرية { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } [ الرعد : 3 ] أوصاف الروحانيات { وَأَنْهَاراً } [ الرعد : 3 ] من مياه القدرة والحكمة ، { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [ الرعد : 3 ] أي : مشاهدات روحانية ومكاشفات ربانية { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } [ الرعد : 3 ] أي : يغشي ليل أوصافه النفسانية منها أخلاق الروحانية { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الرعد : 3 ] في حقائق الأشياء ، فيهتدون بها إلى معرفة مدبرها ومنشئها ، { وَفِي ٱلأَرْضِ } [ الرعد : 4 ] الإنسانية قطع من النفس والقلب والروح والسر والخفي { مُّتَجَاوِرَاتٌ } متقاربات بقرب الجوار مختلفات في الحقائق : فمنها : حيوانية ، ومنها : ملكوتية ، ومنها : روحانية ، ومنها : جبروتية ، ومنها : عظموتية . { وَجَنَّاتٌ } وبالجنات يشير إلى هذه الأعيان المستعدة لقبول الفيض عند قبولها ، وتثميرها { مِّنْ أَعْنَابٍ } وهي ثم النفس من الصفات ما يدل على الغفلة والحماقة والسهو واللهو ، فإنها أصل السكر { وَزَرْعٌ } وهي ثمرة القلب ، فإن القلب بمثابة الأرض الطيبة القابلة للزرع من بذر صفاته الروحانية والنفسانية ، فيأتي بذر صفة من الصفات ؛ إذا زرعت يتجوهر القلب بجوهر تلك الصفة ؛ فتارة : يصير بظلمات النفس ظلماً نبتاً ، وتارة : يصير بنور الروح نوارنياً ، وتارة : يصير بنور الرب ربانياً . كما قال : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } [ الزمر : 69 ] ، { وَنَخِيلٌ } وهو الروح ذو فنون من الأخلاق الحميدة الروحانية ؛ كالكرم والجود والسخاء والشجاعة والقناعة والحلم والحياء والتواضع والشفقة { صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } وهي ثمر الجبروت وبه يكشف أسرار الجبروت التي بين الرب والعبد ، ولها مثل ومثال يحكى منها . كما قال تعالى : { إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ، وكما قيل بين المحبين سر ليس مفشيه { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } [ الرعد : 4 ] وهو ماء القدرة والحكمة { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } [ الرعد : 4 ] في الثمرات والنتائج فبعضها أشرف من بعض ، وإن كان لكل واحدة منها شرف في موضعه لاحتياج الإنشاء في أثناء السلوك { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الرعد : 4 ] الذين يلتمسون من القرآن أسرار آيات تدلهم على السير إلى الله ، وتهديهم إلى صراط المستقيم إليه .