Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 5-9)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِن تَعْجَبْ } [ الرعد : 5 ] أي : تعلم أنك يا محمد لا تعجب شيئاً ؛ لأنك ترى الأشياء منا ومن قدرتها ، وإنك تعلم أنا على كل شيء قدير ، ولكن تعجب على عباده أهل الطبيعة إذا رأوا شيئاً غير معتاد لهم أو شيئاً ينافي نظر عقولهم { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي : فتعجب من قولهم : { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً } [ الرعد : 5 ] أي : صرنا تراباً بعد الموت . { أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ الرعد : 5 ] أي : يعود تراب أجسادنا أجساداً كما كان ، ويعود إليها أرواحنا فنحيى مرة أخرى ، فمعنى الآية أنهم يتعجبون من قدرة الله بأن يكونوا خلقاً جديداً بعد الموت ، وليس هذا تعجب من قدرة الله ؛ لأن الله هو الذي خلقهم من لا شيء في البداية إذا لم تكن الأرواح والأجساد ولا التراب فلا أهون عليه أن يجعلهم من شيء وهو التراب والأرواح ، ولكن العجب تعجبهم بعد أن رأوا الله خلقهم من لا شيء . { أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } [ الرعد : 5 ] وهي أغلال الشقاوة التي جعل التقدير الأزلي في أعناقهم كما قال : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } [ الرعد : 5 ] أي : هم الذين قال الله تعالى فيهم في الأزل : " هؤلاء في النار ولا أبالي وهؤلاء في الجنة ولا أبالي " قال أمرهم إلى أن يكونوا أصحاب النار إلى الأبد . { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ } [ الرعد : 6 ] أي : من أمارة هؤلاء القوم استعجالهم بالكفر والمعاصي { قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } [ الرعد : 6 ] أي : قبل الإيمان والطاعة ؛ لأنهم أهل الخذلان { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ } [ الرعد : 6 ] أي : مضت من قبلهم وجودهم في التقدير الأزلي العقوبات { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } [ الرعد : 6 ] ، وهم الذين قال الله تعالى فيهم : " هؤلاء في الجنة ولا أبالي " . { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الرعد : 7 ] أي : علامة يستدل بها على نبوتك يا محمد { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } [ الرعد : 7 ] على الفريقين أي : ليس عليك هدايتهم ، { وَلِكُلِّ قَوْمٍ } من الفريقين { هَادٍ } [ الرعد : 7 ] يهديهم إلى الجنة ، وإلى النار وهو الله الذي قال لهم : " هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي " هاد لأهل العناية بالإيمان ، والطاعة إلى الجنة ، وهاد لأهل الخذلان بالكفر والعصيان إلى النار { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } [ الرعد : 8 ] من السعيد والشقي والولي والعدو والجواد والبخيل والعالم والجاهل والعاقل والسيد والكريم واللئيم وحسن الخلق وسيئ الخلق ، وأيضاً : { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } [ الرعد : 8 ] ذرة من ذرات المكونات من الآيات الدالة على وحدانيته ؛ لأنه أودعه فيها وقال : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] ، وقال الشاعر : @ ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد @@ أيضاً يعلم أنه ما أودع فيها من الخواص والطباع { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } [ الرعد : 8 ] أي : أرحام الموجودات وأرحام المعدومات أي : وما تغيض من المقدرات أرحام الموجودات والمعدومات بحيث يبقى في الأرحام ولا يخرج منها { وَمَا تَزْدَادُ } [ الرعد : 8 ] ، وما يخرج منها . { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] أي : { وَكُلُّ شَيْءٍ } مما يخرج من أرحام الموجودات والمعدومات ، وما يبقى فيها عند علمه ، وحكمته { بِمِقْدَارٍ } معين أي : معين موافق لحكمة خروج ما خرج ، وبقاء ما بقي ؛ لأنه { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [ الرعد : 9 ] أي : { عَالِمُ } بما غاب عن الوجود والخروج بحكمته ، وبما شهد في الوجود والخروج { ٱلْكَبِيرُ } [ الرعد : 9 ] في ذاته ، وأحاط علمه بالموجودات والمعدومات وبما في أرحامها { ٱلْمُتَعَالِ } [ الرعد : 9 ] في صفاته بأنه منفرد بها .