Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 30-32)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الرعد : 30 ] أي : بالرحمن يشير إلى أن الأمم لما كفروا بالله كفروا بالرحمن ؛ لأن الرحمانية قد اقتضت إيجاد المخلوقات ، فإن القهارية كانت مقتضية الوحدانية بألا يكون معه أحد ، فسبقت الرحمانية القهارية في إيجاد المخلوقات . ولهذا السر قال الله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] فأرسل الله تعالى الرسل ، وأنزل معهم الكتب ليقرأوا عليهم ويذكروهم بأيام الله التي كان الله ولم يكن معه شيء ثم أوجدهم وأخرجهم من العدم إلى الوجود ، وهو الذي رب كل شيء وخالقه ولا إله إلا هو وإليه المرجع والمآب . كما قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [ الرعد : 30 ] إذ لا خالق ولا رازق إلا هو { وَإِلَيْهِ مَتَابِ } [ الرعد : 30 ] وبهذا كان مأموراً أن يتلو على أمته ، كما كان الرسل مأمورين بتلاوته على الأمم ؛ ليؤمنوا بالرحمن ولا يكفروا به . ثم أشار بقوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] جبال النفوس { أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } [ الرعد : 31 ] أرض البشرية { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } [ الرعد : 31 ] موتى القلوب أي : أن لتلاوة القرآن عليهم وإن كانت هذه التأثيرات والخاصيات ويريد الله فتنتهم ، كفروا بالرحمن ، ولم يؤمنوا به { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } [ الرعد : 31 ] في الهداية والضلالة { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ الرعد : 31 ] بهداية الله عن إيمان من خذله الله ، وقد علموا { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ الرعد : 31 ] كما هداهم { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } [ الرعد : 31 ] من الأحكام الأزلية تقرعهم في أنواع المعاملات التي تصدر منهم موجبة للشقاوة { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } يشير به إلى أن الأحكام الأزلية تارة تصدر منهم ، وتارة من مصاحبهم ، فتوافقوا في أسباب الشقاوة ، وتوافقوا لما أوعدهم الله من درك الشقاوة ، كما قال : { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ الرعد : 31 ] لأهل الشقاء وإلى أن يبلغه حدها . { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } يشير به إلى أن من أمارات أهل الشقاء الاستهزاء بالأنبياء والأولياء { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الرعد : 32 ] أي : أمليت أهل الشقاء ليتدرجوا بدرجات الاستهزاء إلى أعلى مقام الشقاوة { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أمسكتهم ؛ لئلا ينجوا عن مقام الشقاء وهو غاية البعد { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } [ الرعد : 32 ] أي : عقابي لهم بعقاب الفرقة والقطيعة .