Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 25-29)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [ الرعد : 25 ] يشير إلى ما عاهدهم عليه يوم الميثاق حين أخرج ذرات ذرياتهم من صلب آدم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ويحبونه ولا يحبوا معه شيئاً إلا له ، فنقضوا العهد وعبدوا غيره ، وأشركوا به الأشياء وأحبوها للهوى { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } [ الرعد : 25 ] أي : صلة رحم العبودية في طلب وصال الربوبية { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الرعد : 25 ] ؛ أي : يسعون في إفساد أرض الاستعداد الإنسانية لقبول الفيض الربانية ، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } [ الرعد : 25 ] أي : الطرد والبعد والفراق { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 25 ] أي : دار القطيعة والهجران وأليم عذابها . { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ } [ الرعد : 26 ] الكشوف والشهود { لِمَنْ يَشَآءُ } من عباده المحبين والمحبوبين { وَيَقَدِرُ } [ الرعد : 26 ] أي : يضيق لمن فتح عليهم أبواب الدنيا وشهواتها ؛ فأغرقهم فيها { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الرعد : 26 ] أي : باستيفاء لذاتها { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ } [ الرعد : 26 ] أي : باستيفاء لذاتها في الآخرة بالنسبة إلى من عبر عنها ، ولم يلتفت إليها فيجد في آخرها ما يجد { إِلاَّ مَتَاعٌ } أي : متاع أيام قلائل بأدنى شيء خسيس ، فإن به { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الرعد : 27 ] كفروا الحق بالباطل { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ } أي : على من يدعو الخلق إلى الحق به { آيَةٌ } [ الرعد : 27 ] ظاهرة { مِّن رَّبِّهِ } من المعجزات والكرامات ، كما نزل على بعض ليستدلوا بها على صدق دعوتهم . { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } [ الرعد : 27 ] أي : يضله إليه مطالباً مشتاقاً بجماله { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } [ الرعد : 27 ] أي : يرشد الطالب وهو من أهل الهداية في البداية ، وليس ممن يشاء الله ضلالته في الأزل { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] يعني : أهل الهداية هم الذين آمنوا ، ولتعلم أن القلوب أربعة : قلب قاسٍ : وهو قلب الكفار والمنافقين فاطمئنانه بالدنيا وشهواتها ؛ لقوله تعالى : { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الرعد : 26 ] واطمأنوا بها . وقلب ناسٍ : وهو قلب المسلم كقوله تعالى : { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] فاطمئنانه بذكر الله ؛ كقوله تعالى بالتوبة ونعيم الجنة ؛ كقوله تعالى : { فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [ طه : 122 ] . وقلب مشتاق : وهو قلب المؤمن المطيع ، فاطمئنانه بذكر الله كقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 28 ] . وقلب وجداني : وهو قلب الأنبياء وخواص الأولياء فاطمئنانه بالله وصفاته كقوله تعالى لخليله عليه السلام في جواب قوله : { أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] بإراءتك بأي كيفية إحياء الموتى إذا تجلى لقلبي بصفة محبتك فأكون يحيي الموتى ؛ ولهذا إذا تجلى الله تبارك وتعالى على قلب العبد يطمئن به ، فينعكس نور الاطمئنان من مرآة قلبه على نفسه فتصير النفس مطمئنة أيضاً فتستحق بجذبات العناية ، وهي خطاب { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] فافهم جدّاً . { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الرعد : 29 ] يشير إلى الذين غرسوا غرس الإيمان ، وهي كلمة لا إله إلا الله في أرض القلب ، وربوه بماء الشريعة ومذهب الطريقة ، وهي الأعمال الصالحة حتى صار شجرة طيبة كما ضرب الله بها مثلاً فقال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } [ إبراهيم : 24 ] فلما كملت الشجرة وأثمرت ثمرة الحقيقة كانت { طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } وهو الرجوع والإنابة إلى الله بنفسه لا إلى ما سواه ، وهذا ثمرة الحقيقة يدل عليه قوله : { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ المزمل : 19 ] على هذا يشير بطوبى إلى حقيقة شجرة لا إله إلا الله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طوبي شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة " ، فإن حقيقته لشجرة لا إله إلا الله في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي قلب كل مؤمن منها غصن ، فافهم جدّاً .