Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-33)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } [ إبراهيم : 28 ] هذا إشارة إلى نعمة ألوهيته وخالقيته ورازقيته عليهم بدلوا { كُفْراً } بالكفر والإنكار بالجحود { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ } أي : أرواحهم وقلوبهم ونفوسهم وأبدانهم { دَارَ ٱلْبَوَارِ } أي : الهلاك فأنزلوا أبدانهم { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [ إبراهيم : 29 ] وهي غاية البعد عن الحضرة والحرمان من الجنان وأنزلوا أنفسهم الدركات وقلوبهم العمى والصم والجهل وأرواحهم العلوية أسفل سافلين الطبيعة بتبديل نعم الأخلاق الملكية الحميدة بالأخلاق الشيطانية السبعية الذميمة . { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } [ إبراهيم : 30 ] من الهوى والدنيا وشهواتها { لِّيُضِلُّواْ } بها ويضلوا الناس بالامتناع { عَن سَبِيلِهِ } عن طلب الحق تعالى والسير إليه على أقدام الشريعة والطريقة للوصول إلى الحقيقة { قُلْ تَمَتَّعُواْ } بشهوات الدنيا ونعيماً { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } نار جهنم للأبدان ، ونار المحق والحرمان للنفوس ، ونار الحياة للقلوب ونار القطيعة للأرواح . { قُل لِّعِبَادِيَ } [ إبراهيم : 31 ] لا لعباد الهوى { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بنور العناية وعرفوا قدر نعمة ألوهيتي ولم يبدلوها كفراً { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } ليلازموا العبودية ويديموا العكوف على بساط القربة ويثبتوا في المناجاة والمكالمة { وَيُنْفِقُواْ } على الطالبين المريدين { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً } من أسرار الألوهية { وَعَلانِيَةً } من أحكام العبودية في طريق الربوبية { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ } وهو مفارقة الأرواح على الأبدان { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } أي : لا يقدر على الإنفاق بطريق طلب المعارضة { وَلاَ خِلاَلٌ } أي : ولا بطريق المخاللة من غير طلب العوض ؛ لأن آلة الإنفاق خرجت من يده ، وبطل استعداد دعوة الخلق إلى الحق وتربيتهم بالتسليك والتزكية والتهذيب والتأديب . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ إبراهيم : 32 ] سماوات القلوب { وَٱلأَرْضَ } أرض النفوس { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } سماء القلوب { مَآءً } الحكمة { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } ثمرات الطاعة { رِزْقاً لَّكُمْ } أي : رزقاً لأرواحكم فإن الطاعات غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأبدان { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ } فلك الشريعة { لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ } بحر الطريقة { بِأَمْرِهِ } أي : بأمر الحق لا بأمر الهوى والطبع ؛ لأن استعمال فلك الشريعة إذا كان بأمر الهوى والطبع سريعاً يهلك ويغرق ، ولا يبلغ ساحل الحقيقة إلا بأمر أولي الأمر وبملاحيه وهو الشيخ الواصل الكامل المكمل كما قال تعالى : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أطاع أمري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله " . وكم من سفن لأرباب الطلب لما شرعت في هذا البحر بالطبع انكسرت بنكباء الأهواء وتلاطم أمواج العزة وانقطعت دون ساحلها ، { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } أنهار العلوم اللدنية { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ } [ إبراهيم : 33 ] شمس الكشوف { وَٱلْقَمَرَ } قمر المشاهدات { دَآئِبَينَ } بالكشف والمشاهدة { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ } ليل البشرية { وَٱلنَّهَارَ } نهار الروحانية وتسخير هذه الأشياء عبارة عن جعلها سبباً لاستكمال استعداد الإنسان في قبول الفيض الإلهي المختص به من بين سائر المخلوقات .