Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 100-104)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [ النحل : 100 ] أي : يتولون بوسواسه وإغوائه ؛ لأنها على وفق طبعهم وهو لعنهم { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 100 ] أي : بما يوافق طبعهم وهواهم يقبلون إضلاله ويشركون . ثم أخبر أن من تأثير الإغواء ألا ينسبوه إلى الافتراء بقوله تعالى : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } [ النحل : 101 ] إشارة إلى أن الله هو الطيب والقرآن هو الدواء يعالج به مرض القلوب ، كقوله تعالى : { وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ } [ يونس : 57 ] كما أن الطبيب يداوي المريض كل وقت بنوع من الأدوية على حسب المزاج والعلة لإزالتها ويبدل الأشربة والمعادن بنوع آخر وهو أعلم بالمعالجة من غيره ، فكذلك الله عز وجل يعالج قلوب العباد بتبديل آية وإنزال آية مكانها { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } [ النحل : 101 ] ويعالج به العبد ، فالذين لا يعلمون قوانين الأمراض والمعالجات { قَالُوۤاْ } [ النحل : 101 ] لمحمد { إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } [ النحل : 101 ] أنت تبدل الآيات من تلقاء نفسك وأنت مفتر { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 101 ] حكمة التبديل وما فيه من المصالح . ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم ويلزمهم بقوله : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ } [ النحل : 102 ] أي : معالجة منه { بِٱلْحَقِّ } [ النحل : 102 ] أي : هو محق بهذه المعالجة { لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ النحل : 102 ] أي : يثبت الإيمان في قلوب المؤمنون بإزالة أمراض الشكوك عن قلوبهم من نور القرآن فإنه شفاء { وَهُدًى } [ النحل : 102 ] لصحة الدين وسلامة القلوب { وَبُشْرَىٰ } [ النحل : 102 ] بشارة { لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 102 ] الذين استسلموا للطبيب ، والمعالجة بصحته له منهم . ثم يشير بقوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] أي : أن طب القلوب ومعالجتها ليس من شأن البشر بنظر العقل ؛ لأن الطب معنى على معرفة الأمراض والعلل وكيفيتها وكميتها ، ومعرفة إزالتها بالأدوية ومعرفة الأدوية وخواصها ، وكيفية استعمالها ومعرفة الأمزجة واختلاف أحوالها ، وإن القلوب بيد لله هو يعلم داءها ودواءها ، والتفاوت في أمزجتها ، وكيفية معالجتها ، ويضيق عن ذلك نطوق عقول البشر بحيث لا يطلع على قوانين معارفها ملك مقرب ولا نبي مرسل ؛ فلهذا كان يقول إبراهيم عليه السلام : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ } [ الشعراء : 80 ] لا تطلع على قوته { يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] يعني : لا اطلاع لي على المعالجة إلا أن يعلمني الله كيفية المعالجة ، فلما علَّم الله النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن هذه المعالجة وكيفيتها من علته بقوله : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ومع هذا كان يقول : " نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر " ويقول : " إن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء " . وفي قوله تعالى : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } [ النحل : 103 ] إنه يعلمك القرآن { أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] إشارة إلى أن الأعجمي هو الذي لا يفهم من كلام الله ما أودع الله فيه من الأسرار والإشارات والمعاني والحقائق ، فإنه لا يحصل ذلك إلا لمن رزقه الله فهماً يفهم به اللسان العربي المبين هو الذي يسَّره الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وبيَّن له معانيه ، كما قال تعالى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ } [ مريم : 97 ] وقال : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 18 - 19 ] فالعربي المبين هو الذي أعطاه الله قلباً فهيماً ولساناً مبيناً ، فافهم جدّاً . ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ النحل : 104 ] وهي ما أودع الله في القرآن من المعاني والحقائق التي تتعلق بمواهب الله وبه صار القرآن معجزاً فمن لم يؤمن { لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ } [ النحل : 104 ] إلى فهم القرآن { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النحل : 104 ] إذ لم يهتدوا إلى الإيمان بدفعهم ما فيه .