Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] إلى قوله : { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } [ النحل : 4 ] الإشارة فيه أن قوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } كلام قديم كان الله في الأزل به متكلماً ، والمخاطبون به في الله محبوسين وهم طبقات ثلاث : منهم الغافلون والعاقلون والعاشقون . فكان الخطاب مع الغافلين : بالعتاب إذا كانوا مشتاقين إلى الدنيا وزخارفها ولذاتها وشهواتها وهم أصحاب النفوس . والخطاب مع العاقلين : بوعد الثواب إذا كانوا مشتاقين إلى الطاعات والعبادات والأعمال الصالحات التي تبلغهم إلى الجنة ونعيمها الباقية وهم أرباب العقول . والخطاب مع العاشقين : بوصل رب الأرباب إذا كانوا مشتاقين إلى مشاهدة جمال ذي الجلال . فتستعجل أرواح كل طبقة منهم للخروج من العدم إلى الوجود لنيل العقود وطلب المقصود فكلم الله تعالى في الأزل بقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي : سيأتي أمر الله للخروج من العدم لإصابة ما كتب لكل طبقة منكم في القسمة الأزلية { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } فإنه لا يفوتكم يدل عليه قوله تعالى : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ إبراهيم : 34 ] أي : في العدم وهو يسمع خفيات أسراركم ويبصر خبايا سرائركم المعدومة { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : هو منزه في ذاته ومتعالٍ في صفاته أن يكون له شريك يعمل عمله وسببه يكون بدل . { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } [ النحل : 2 ] أي : بالوحي بما يحيي القلوب من مواهب الربانية { مِنْ أَمْرِهِ } أي : من أمر الله وأمره على وجوه : منها : ما يرد على الجوارح بتكاليف الشريعة . ومنها : ما يرد على النفوس لتزكيتها بالطريقة . ومنها : ما يرد على القلوب لتصفيتها بالإشارات . ومنها : ما يرد على الأسرار بالمراقبة للمشاهدات . ومنها : ما يرد على الأرواح بملازمة الحضرة للمكاشفات . ومنها : ما يرد على المخفيات بتجلي الصفات لإقبال الذوات على من يشاء من عباده من الأنبياء والأولياء { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ } [ النحل : 2 ] أي : اعلموا أن أوصاف وجودكم يبذلها من أنانيتي أنه لا إله إلا أنا { فَٱتَّقُونِ } أي : فاتقوا عن أنانيتكم بأنانيتي . { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ النحل : 3 ] سماوات الأرواح { وَٱلأَرْضَ } أرض الأشباح { بِٱلْحَقِّ } وجعلها مظهرة أفاعيله فهو الفاعل فيما يظهر على الأرواح والأشباح ، فالأرواح تحيل الأفاعيل إلى الأشباح إذ هي مظهرها ، والأشباح تحيلها إلى الأرواح إذ هي مصدرها ، وهي أفاعيله تعالى إذ هو منشأها وخالقها { تَعَالَىٰ } ذاته وصفاته { عَمَّا يُشْرِكُونَ } الأرواح والأشباح في إحالة أفاعيله إلى غيره ، بل عما يشركون في رؤية غيره . ثم قال : { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } [ النحل : 4 ] أي : جعل أصل الإنسان من نطفة ميتة لا فعل لها ولا علم لوجودها ، فإذا أعطيت المقدرة والعلم صارت خصيماً لخالقها مبيناً وجودها مع وجود الحق وادعت الشركة معه في الوجود والأفاعيل .