Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 5-9)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن بالإنعام على الإنسان بخلق الأنعام بقوله تعالى : { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ النحل : 5 ] ولو شاء لهداكم أجمعين ، قوله : { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } يشير أن المخلوقات كلها خلقت لصالحكم ومنافعكم ؛ يدل عليه قوله : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] وقوله : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ الجاثية : 13 ] وخلقتم لي بيانه قوله : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] { فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } أي : لتنتفعوا بها حين اطلاعكم على صفاتها الحيوانية الذميمة التي هي مودعة في جبلتكم مما يخالف صفاتكم الروحانية الملكية ، فتجتهدوا في تبديل الصفات الحيوانية الذميمة بالصفات الملكية الروحانية الحميدة احترازاً عن الاحتباس في حيزها واجتناباً عن شبهتها بقوله : { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان : 44 ] { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } لتكون بدل ما يتحلل منكم . { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [ النحل : 6 ] بأن تعتبروا منها ، ولا تجعلوا همتكم مصروفة في استيفاء حظوظكم الحيوانية الشهوانية فترتعوا في رياض مستلذات الدنيا كالأنعام والبهائم ، ويشير بقوله : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } [ النحل : 7 ] إلى أن الصفات الحيوانية إنما خلقت فيكم لتحمل أثقال أرواحكم إلى بلد عالم الجبروت الذي { لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } لحمل أعباء الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال عن حملها وأشفقن منها وشق الأنفس نقضها بإفنائها في عالم الجبروت { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 7 ] إذا أفنيتم أنفسكم في جبروته يبقيكم ببقاء عظمته . { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ } [ النحل : 8 ] أي : صفاتها خلقت فيكم { لِتَرْكَبُوهَا } [ النحل : 8 ] عند السير إلى عالم الجبروت فهي مركب الروح { وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] له عند رجوعه بالجذبة إلى مستقره الذي أهبط بالنفخة وهو المحل المضاف إليه الروح بقوله : { مِن رُّوحِي } [ ص : 72 ] { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] أي : ويخلق فيكم بعد رجوعكم بالجذبة إلى مستقركم { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قبل الرجوع إليه وهو قبول فيض نور الله بلا واسطة . { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [ النحل : 9 ] بجذبة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ليس لغيره قدرة على الإفناء عنك والإبقاء به ، { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } يعني : نفوسكم تجير عن الفناء وبذل الوجود { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ } بالجذبة إلى فناء وجودكم وبقاء وجوده { أَجْمَعِينَ } لأن جميعكم مستعدون لنيل هذه الدرجات والكمالات ، وإنها لمشيئته وقعتم في الدَّركات ورضيتم بهذه النقصانات .