Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 38-42)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] وهذا من نتيجة ظلمة الخلقية عند عدم إصابة النور { بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [ النحل : 38 ] فيه إشارة إلى أن أكثر الخلق محرومون عن إصابة رشاش النور ؛ لأنهم أنكروا البعث ، وهو وعد صادق ووقوعه حق . ثم أقام البينة على القدرة بالبعث وعلى كذب من اختلف فيه ، كما قال : { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } [ النحل : 39 ] بقوله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] أي : من كمال قدرتنا أنا لا نحتاج في إحداث شيء وإيجاده إلى استعمال آلة يشق علينا استعمالها ، وإنما هي مشيئته القديمة بمقتضى الحكمة القديمة لتعلق الإرادة القديمة بالقدرة القديمة التي هي عبارة عن قولنا : { كُنْ فَيَكُونُ } وهو إخراج الشيء المعدوم من العلم إلى الوجود بلا تعب ولا نصب ، وفي الآية دلالة على أن المعدوم الذي هو في علم الله إيجاده أنه قبل إيجاده شيء بخلاف المعدوم الذي في علم الله عدمه أبداً . ثم أخبر عن درجات المهاجرين الصابرين بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } [ النحل : 41 ] إلى قوله : { لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 47 ] { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ } أي : بالله إلى الله ، فهاجروا في الله بالأبدان عما نهى الله عنه بالشريعة ، وهاجروا بالله بالقلوب عن الحظوظ الأخروية برعاية الطريق ، وهاجروا إلى الله بالأرواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة ، بل هاجروا عن الوجود المجازي مستهلكاً في بحر الوجود الحقيقي حتى لم يبقَ لهم في الوجود سوى الله { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } [ النحل : 41 ] أي : من بعد ما ردوا إلى أسفل السافلين { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } [ النحل : 41 ] أي : ننزلهم أعلى مراتب القرب في حال حياتهم { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ } [ النحل : 41 ] أي : بعد الخروج عن الدنيا والخلاص عن حبس أوصاف البشرية وتلوناتها { أَكْبَرُ } [ النحل : 41 ] أي : أعظم وأجل وأصفى وأهنأ وأحرى فما كان لهم من حسنات الدنيا { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 41 ] قدره ويؤدون شكره { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [ النحل : 42 ] على الائتمار بالأوامر وعن الانتهاء عن النواهي ، بل صبروا على المجاهدات والمكابدات والمشاهدات والمواصلات { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ النحل : 42 ] فيما يتأملون صبروا بالله في طلبه ، وتوكلوا على الله في وجدانه ، فبالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ، ثم في الله حاروا حيرة لا نهاية لها إلى الأبد .