Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 105-111)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن القرآن وما فيه من الحق والفرقان بقوله تعالى : { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } [ الإسراء : 105 ] إشارة إلى أن إنزال القرآن كان بالحق لا بالباطل ؛ وذلك لأنه تعالى لما خلق الأرواح المقدسة { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] ، ثم بالنفخة ردها إلى { أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [ التين : 5 ] وهو قالب الإنسان احتاجت الأرواح في الرجوع إلى أعلى عليين قرب الحق وجواره إلى حبل يعتصم به بالرجوع ؛ فأنزل الله القرآن وهو الحبل المتين وقال : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 103 ] . { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } [ الإسراء : 105 ] ليضل به أهل الشقاوة بالرد والجحود والامتناع عن الاعتصام به ، ويبقي به في الأسفل حكمة بالغة منهم ، ويهدي به أهل السعادة بالقبول والإيمان والاعتصام به ، والتخلق بخُلقه إلى أن يصل إلى كمال قربه ، فيعتصم به كما قال : { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } [ الحج : 78 ] . { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ } [ الفرقان : 56 ] يا محمد { إِلاَّ مُبَشِّراً } [ الفرقان : 56 ] لأهل السعادة بسعادة الوصول والعرفان عند التمسك بالقرآن { وَنَذِيراً } [ الفرقان : 56 ] لأهل الشقاوة بشقاوة البعد والحرمان والخلود في النيران عند الانفصام عن حبل القرآن وترك الاعتصام به { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الإسراء : 106 ] أي : على أهل الغفلة والنسيان { عَلَىٰ مُكْثٍ } [ الإسراء : 106 ] وهذا كمال العناية بأن فرقه آية آية وسورة سورة في الإنزال بالتدريج ليعلموا بها ويتخلقوا بالتأني والتدبر . { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ] على قانون الحكمة ليبلغ به أهل السعادة والشقاوة إلى أعلى درجات القرب وأسفل دركات البعد ، وإظهار اللطف والقهر . ثم قال : { قُلْ } [ الإسراء : 107 ] لأهل السعادة { آمِنُواْ بِهِ } [ الإسراء : 107 ] إظهاراً للطفنا أو { قُلْ } [ الإسراء : 107 ] لأهل الشقاوة { أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } [ الإسراء : 107 ] إظهاراً لقهرنا ، فإن الحكمة في تكوين الفريقين إظهار اللطف والقهر { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } [ الإسراء : 107 ] يعني : العلماء بالله إذا آتاهم الله العلم بإصابة رشاش نوره في عالم الأرواح { مِن قَبْلِهِ } [ الإسراء : 107 ] من قبل نزول القرآن { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } [ الإسراء : 107 ] يعني : خطاب { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [ الإسراء : 107 ] للتواضع والتذلل عند الإجابة إذ قالوا : { بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ } [ الإسراء : 108 ] على ما وعدنا ربنا في الأزل بقوله : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ } [ البقرة : 217 ] يا أهل الشقاوة { عَن دِينِهِ } [ البقرة : 217 ] أي : الإيمان وقبول القرآن { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] { إِن كَانَ } [ الإسراء : 108 ] أي : قد كان { وَعْدُ رَبِّنَا } [ الإسراء : 108 ] في الأزل { لَمَفْعُولاً } [ الإسراء : 108 ] إلى الأبد . ثم كرر قوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } [ الإسراء : 109 ] أي : إذا تتلى عليهم مرة أخرى في عام العودة يخرون بالأبدان على وجوههم و { يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } [ الإسراء : 109 ] يشير به إلى أنه في عالم الأرواح كان التواضع والسجود ؛ لأنه من شأن الأرواح ، ولكن لم يكن البكاء والخشوع ؛ لأنه من شأن الأبدان ، وإنما أرسلت الأرواح إلى الأبدان لتحصيل هذه المنافع في العبودية وبقوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [ الإسراء : 110 ] يشير إلى أن الله اسم الذات والرحمن اسم الصفة { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } [ الإسراء : 110 ] أي : بأي اسم من أسماء الذات والصفات تدعونه { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] أي : كل اسم من أسمائه حسن فادعوه حسناً ، وهو أن تدعوه بالإخلاص . { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } [ الإسراء : 110 ] أي : بدعائك وعبادتك رياءً وسمعةً { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [ الإسراء : 110 ] أي : ولا تخفضها بالكلية عن نظرهم لئلا يُحرموا عن المتابعة والأسوة الحسنة { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 110 ] وهو إظهار الفرائض بالجماعات في المساجد ، وإخفاء النوافل وُحْدَاناً في البيوت { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } [ الإسراء : 111 ] فيكون كمال عنايته وعواطف إحسانه مخصوصاً بولده ويحرم عباده منه { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } [ الإسراء : 111 ] فيكون مانعاً من إصابة الخير إلى عباده وأوليائه { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } [ الإسراء : 111 ] فيكون محتاجاً إليه فينعم عليه دون من استغنى عنه ، بل أولياؤه الذين آمنوا وجاهدوا في الله حق جهاده وكبروا الله وعظموه بالمحبة والطلب والعبودية وهو معنى قوله : { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } [ الإسراء : 111 ] .