Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 16-22)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً } [ الإسراء : 16 ] أي : من قرى النفوس { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } [ الإسراء : 16 ] وهي النفوس الأمارة بالسوء { فَفَسَقُواْ فِيهَا } [ الإسراء : 16 ] أي : فخرجوا عن قيد الشريعة ، ومتابعة الأنبياء بمتابعة الهوى واستيفاء شهوات النفس { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } [ الإسراء : 16 ] أي : فوجب لها الشقاوة بمخالفة الشريعة { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء : 16 ] بإبطال استعداد قبول السعادة إذا صارت النفس مرقومة برقوم الشقاوة والأبدية . { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] أي : أبطلنا حسن استعدادهم لقبول السعادة برد دعوة الأنبياء { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } [ الإسراء : 17 ] إذا لم يقبلوا دعوة الأنبياء { خَبِيرَاً بَصِيراً } [ الإسراء : 17 ] فإنه المقدر في الأزل والمدبر إلى الأبد أسباب سعادة عباده وأسباب شقاوتهم . ثم أخبر عن أمارة أهل السعادة والشقاوة بقوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ } [ الإسراء : 18 ] إشارة إلى أن إرادته إنما كانت العاجلة ؛ لأنا عجلنا له هذه الإرادة { فِيهَا } [ الإسراء : 18 ] أي : في الدنيا { مَا نَشَآءُ } [ الإسراء : 18 ] أي : بقدر ما نشاء على مقتضى حكمتنا { لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] أن يكون من أهل الدنيا ومظهر صفة قهرنا { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً } [ الإسراء : 18 ] أي : عذبناه بعذاب صفاته الذميمة في جهنم والبعد والقطيعة { مَّدْحُورا } [ الإسراء : 18 ] مطروداً مهيناً ذليلاً . واعلم أن فيها إشارة إلى أن الله تعالى خلق الإنسان مركباً من الدنيا والآخرة ، ولكل جزء منهما ميل وإرادة إلى كله ليتغذى منه ويتقوى ويتكمل به ، وإن في جزئه الدنيوي وهو النفس طريق إلى دركات النيران ، وفي جزئه الأخروي وهو الروح طريق إلى درجات الجنان ، وخلق القلب في هذين الجزئين ، وله طريق إلى بين إصبعي الرحمن إصبع اللطف وإصبع القهر ، فمن يرد الله أن يكون مظهره قهره أزاغ الله قلبه ، وحول وجهه إلى الدنيا فيريد العاجلة ويربي بها نفسه إلى أن يبلغه إلى دركات جهنم البعد وتصلى نار القطعية ، ومن يرد الله أن يكون مظهر لطفه أقام قلبه وحول وجهه إلى عالم العلو فيريد الآخرة ، { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } [ الإسراء : 19 ] وهو الطلب بالصدق { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ الإسراء : 19 ] بأن طلبه وجده { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم } [ الإسراء : 19 ] في الوجود { مَّشْكُوراً } [ الإسراء : 19 ] من الموجود في الأزل . ثم أكد هذا التأويل بقوله : { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ } [ الإسراء : 20 ] يعني : أهل الدنيا بأن نحول وجه قلبه إلى الدنيا وزخارفها إظهاراً للقهر ، { وَهَـٰؤُلاۤءِ } [ الإسراء : 20 ] يعني : أهل الآخرة بأن نحول وجه قلبه إلى الآخرة ودرجاتها ، { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } [ الإسراء : 20 ] ممنوعاً من كلا الفريقين . { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ الإسراء : 21 ] من أهل الدنيا في النعمة والدولة وموافاة المرادات ليتحقق لك أنها من إمدادنا إياهم { وَلَلآخِرَةُ } [ الإسراء : 21 ] يعني : أهل الآخرة { أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] من أهل الدنيا ؛ لأن مراتب درجات الأخروية وفضائل أهلها باقية غير متناهية ونعمة الدنيا وفضائل أهلها فانية متناهية ، ثم خاطب الله النبي صلى الله عليه وسلم وقطع تعلقه عن الكونين من بين الثقلين ، فقال : { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [ الإسراء : 22 ] من الدنيا والآخرة لتعبد الدنيا أن تعبد الآخرة بطلبهما { فَتَقْعُدَ } [ الإسراء : 22 ] عن طلبنا { مَذْمُوماً } [ الإسراء : 22 ] في طلب الدنيا { مَّخْذُولاً } في طلب الآخرة .