Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي قوله : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ } [ الإسراء : 11 ] إشارة إلى أن من خصوصية الإنسان طلب الدنيا والتلذذ بشهواتها والتفاخر بمالها وجاهها والتمتع بها ، وأنه يحب العاجلة ويذر الآجلة ، ولهذا قال الله تعالى في وصفه : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] وهذا كله شر له وهو عجب أنه خير له وهو ملتمس بالدعاء الشر كما يلتمس أهل الوفاء الخير . ثم قال : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } [ الإسراء : 12 ] أي : ليل البشرية وآياتها قمر القلب ، ونهار الروحانية وآياتها شمس شهود الحق وهما يدلان على الوصول { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } [ الإسراء : 12 ] أي : ضوء الروح عن قمر القلب فبقى فيه نور العقل . { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] المعنى أن نور القلب وهو العقل يهدي إلى الشرع ، وهو شمس شهود الحق ، وإذا طلع الصباح استغنى عن المصباح فإنها مظهرة للحق ومبصرة لها { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ الإسراء : 12 ] تجلي ذاته وصفاته تبارك وتعالى ، وقد اختص الإنسان به دون سائر المخلوقات ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ } [ الإسراء : 12 ] أي : أيام الطلب وامتدادها عند قطع المنازل { وَٱلْحِسَابَ } [ الإسراء : 12 ] أي : حساب الترقي من مقام إلى مقام { وَكُلَّ شَيْءٍ } [ الإسراء : 12 ] يحتاج إليه السالك { فَصَّلْنَاهُ } [ الإسراء : 12 ] بيناه بالإشارات { تَفْصِيلاً } [ الإسراء : 12 ] تبيناً يبلغ الطالب إلى المطلوب والمحب إلى المحبوب . ثم أخبر عما قدر للإنسان من الإحسان والخذلان بقوله تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] يشير إلى ما طار لكل إنسان في الأزل وتعد بالحكمة الأزلية والإرادة القديمة من السعادة والشقاوة ويجري عليه من الأحكام المقدرة ، والأحوال التي جرى بها العلم من الخلق والرزق والأجل ، ومن صغائر الأعمال وكبائرها المكتوبة له ، وهو بعد في العدم وطائره ينتظر وجوده ، فلما أخرج كل إنسان من العدم إلى الوجود وقع طائره في عنقه ملازماً له في حياته ومماته حتى يخرج من قبره يوم القيامة وهو في عنقه ، وذلك قوله : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] أي : ينشر بعدما كان منطوياً ، ثم إن كان من أصحاب اليمين أوتي كتابه بيمينه ، وإن كان من أصحاب الشمال أوتي كتابه بشماله ، أو من وراء ظهره ، ويجوز أن يكون هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها نسخة نسخها الكرام الكاتبون بقلم أعماله في صحيفة أنفاسه من الكتاب الطائر في عنقه ، ولهذا يقال : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ } [ الإسراء : 14 ] أي : كتابك الذي كتبته . { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] فإن نفسك مرقومة بقلم أعمالك إما برقوم السعادة أو برقوم الشقاوة { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ } [ الإسراء : 15 ] إلى الأعمال الصالحات { فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ } [ الإسراء : 15 ] فيرقمها برقوم السعادة { وَمَن ضَلَّ } [ الإسراء : 15 ] عنها بالأعمال الفاسدة { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [ الإسراء : 15 ] فيرقمها برقوم الشقاوة { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الإسراء : 15 ] أي : لا يرقم راقم بقلم أوزاره نفس غيره برقوم الشقاوة . وبقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] يشير إلى أن الأعمال الصالحة والفاسدة التي ترقم النفس برقوم السعادة والشقاوة لا يكون لها أثر إلا بقبول دعوة الأنبياء أو بردها ، فإن السعادة والشقاوة مودعة في أوامر الشريعة ونواهيها .