Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [ الإسراء : 1 ] للتعجب فيها يشير إلى أعجب أمرٍ من أموره جرى بينه وبين أفضل خلقه ، وأخص عبيده ، وأحبهم إليه ، وأقربهم لديه ، وأعظمهم قدراً ، وأكملهم مقاماً ، وأرفعهم درجة ، وأعلاهم رتبة ، وأجلهم منصباً ، وأكرمهم مثوى ، وأعزهم منزلة ، وأوفاهم قربة ، وأفناهم عن أنانيته ، وأبقاهم بهويته ، وأخلصهم لعبوديته ، وأوحدهم بوحدانيته ، وأفردهم بفردانيته ، وأوليهم بتجلي جماله ، وأعظميهم من كشف جلاله ، وهو العبد المطلق من بين سائر عباده ، والحبيب المختص المخلص من أحبابه ، والنبي المفضل على أنبيائه ، وهو الحر المعتق عن عبودية الموجودات ورق وجوده ، فلهذا سماه الله { بِعَبْدِهِ } عند فناء اسمه ورسمه اسماً ما سُمِي به أحد من خلقه إلا عند بقاء اسمه ورسمه ، كما قال { عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [ مريم : 2 ] ومن هنا يقول كل نبي يوم القيامة : نفسي نفسي لبقاء وجودهم وهو صلى الله عليه وسلم يقول : " أمتي أمتي " لفناء وجوده في وجوده . وفي قوله تعالى : { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } [ الإسراء : 1 ] إشارة إلى أن الحكمة في إسرائه إرائته آيات مخصوصة بذاته تعالى تقديراً له وشرفاً ما راءها أحداً من الأولين والآخرين إلا سيد المرسلين وخاتم النبيين ، فإنه تبارك وتعالى أرى خليله عليه السلام وهو أعز الخلق عليه بعد حبيبه الملكوت كما قال : { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] وأرى حبيبه آيات ربه الكبرى ، كما قال : { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] ليكون من المحبين المحبوبين . وفي قوله { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } [ الإسراء : 1 ] إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو السميع الذي " كنت له سمعاً فبي يسمع وبصرا فبي يبصر " . { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } [ الإسراء : 2 ] المخصوصة بجمالنا وجلالنا { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ الإسراء : 2 ] الذي يسمعنا { ٱلبَصِيرُ } [ الإسراء : 2 ] يبصرنا فإنه لا يسمع كلامنا إلا بنا ولا يبصر جمالنا . ثم أخبر عن مرتبة كليمه بعد مرتبة حبيبه بقوله : { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الإسراء : 2 ] إشارة إلى أن سبب إيتاء التوصية وإنزالها إنما كان هداية ببني إسرائيل { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء : 2 ] أي : ربّاً وإلهاً كما اتخذ قوم نوح ؛ وذلك لأنهم { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] فإنهم كانوا مؤمنين لا يشركون بالله شيئاً ، فكذلك أردنا أن ذريتهم لا يشركون بالله شيئاً وذلك لأجل { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } [ الإسراء : 3 ] أي : كان نوح عليه السلام { عَبْداً شَكُوراً } [ الإسراء : 3 ] فالله تعالى بالغ في ازدياد النعمة جزاء لمبالغته في الشكر حتى أنعم على ذرية من حملهم مع نوح { عَبْداً شَكُوراً } [ الإسراء : 3 ] وهم بنو إسرائيل بإيتاء التوراة الهادية إلى التوحيد وإخراجهم من الشرك . وفي قوله تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } [ الإسراء : 4 ] إشارة إلى أنا أنعمنا على بني إسرائيل بالكتاب لنهدينهم إلى التوحيد ، ولكنهم يفسدون في الأرض بقتل الأنبياء كفراناً بنعمتنا ، ويبغون العلو في الدنيا { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } [ الإسراء : 5 ] ليعذبوكم عذاباً شديداً جزاء كفران النعمة ، كما قال : { وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم : 7 ] { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } [ الإسراء : 5 ] للاستقصاء في القتل والتعذيب للعباد في الظاهر ، وجاسوا قهرنا وعذابنا في الباطن خلال قلوبكم لقتل صفاتكم الحميدة واستيلاء نفوسكم الأمارات بالسوء ، ليخربوا بيت قدس قلوبكم ويميتوا أبناء أنبياء إيمانكم وصدقكم ويقينكم { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } [ الإسراء : 5 ] في الحكمة الأزلية .