Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 31-38)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن آداب العبودية على وفق أوامر الربوبية بقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] إلى هذا الموضع وهو عشر آيات إشارة إلى تبديل عشر خصال مذمومة بعشر خصال محمودة . أما المذمومات : فأولها : البخل ، وثانيها : الأمل ، وهما في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] فإن البخل وطول الأمل حملهما على قتل أولادهم فدلهم على تبديلهما بالسخاء والتوكل بقوله تعالى : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] . وثالثهما : الشهوة ، وهي في قوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] فإن غلبة الشهوة يورث الزنا فبدلهما بالعفة حين نهاهم عن الزنا . ورابعها : الغضب ، وهو في قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [ الإسراء : 33 ] فإن استيلاء الغضب يورث القتل بغير الحق فبدله بالحلم في قوله : { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [ الإسراء : 33 ] . وخامسها : الإسراف ، وهو في قوله : { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء : 33 ] فإن الإفراط في كل شيء يورث الإسراف فبدله بالقوام . وسادسها : الحرص ، وهو في قوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } [ الإسراء : 34 ] فإن التصرف في مال اليتيم من الحرص فبدله بالقناعة بقوله : { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [ الإسراء : 34 ] . وسابعها : نقض العهد فبدله بالوفاء بقوله : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 34 ] . وثامنها : الخيانة ، فبدلها بالأمانة { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ الإسراء : 35 ] . وتاسعها : الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه باستعمال الجوارح والأعضاء على خلاف ما أمره وذلك في قوله : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] فبدله بالعدل بقوله : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] فظلم السمع ، باستعماله في استماع الغيبة واللغو ، والرفث والبهتان والقذف والملاهي والفواحش ، وعدله استعماله في استماع القرآن والأخبار والعلوم والحكم والمواعظ والنصيحة والمعروف وقول الحق ، وظلم البصر ، النظر إلى المحرمات والشهوات وإلى من فوقه في دنياه وإلى متاع الدنيا وزينتها وزخارفها ، وعدله النظر في القرآن والعلوم وإلى وجه العلماء والصلحاء ، { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } [ الروم : 50 ] وإلى الأشياء بنظر الاعتبار ، وإلى من دونه في دنياه ، وإلى من فوقه في دينه ، وظلم الفؤاد قبول الحقد والحسد والعداوة وحب الدنيا والتعلق بما سوى الله ، وعدله تصفيته عن هذه الأوصاف الذميمة وتحليته بالأوصاف الحميدة وتبديل هذه الصفات والتخلق بأخلاق الله . وعاشرها : الكبر وهو في قوله : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [ الإسراء : 37 ] فإن المشية بالخيلاء من الكبر فبدله بالتواضع بقوله : { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } [ الإسراء : 37 ] أي : من الكبر فألزمه التواضع . ثم قال : { كُلُّ ذٰلِكَ } [ الإسراء : 38 ] أي : الخطاب الخصال العشر التي ذكرنا في هذه الآيات العشر { كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } [ الإسراء : 38 ] أي : مانعاً من العباد أن يصلوا إلى مقام العندية { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] .