Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 39-44)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقال : { ذَلِكَ } [ الإسراء : 39 ] أي : الذي ذكرنا من الآيات { مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ } [ الإسراء : 39 ] المودعة فيها كما قدرنا بعضها ، { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [ الإسراء : 39 ] أي : لا تنظر إلى هذه المانعات بنظر الهوى فيتعلق بشيء فيها يقطعك عن الله { فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ } [ الإسراء : 39 ] البعد { مَلُوماً } [ الإسراء : 39 ] بكل لسان { مَّدْحُوراً } [ الإسراء : 39 ] ومبعداً عن سعادة الأبد . ثم أخبر عن خسارة الإنسان وخسارته بقوله تعالى : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً } [ الإسراء : 40 ] يشير إلى كمال ظلومية الإنسان وكمال جهوليته ، أما كمال ظلوميته فبأنهم ظنوا بالله سبحانه أنه من جنس الحيوانات التي من خاصيتها التوالد ، ومن كمال جهولية الإنسان بأنهم لم يعلموا أن الحاجة إلى التوالد لبقاء الجنس ، فإن الله تعالى باقٍ أبدي لا يحتاج إلى التوالد لبقاء الجنس ، ولم يعلموا أن الله منزه عن الجنس وليس الملائكة من جنسه ، فإنه خالق أزلي أبدي وأن الملائكة هم المخلوقون ، ومن كمال الظلومية والجهولية أنهم حسبوا أن الله تعالى إنما أصفاهم بالبنين واختار لنفسه البنات لجهله بشرف البنين على البنات فلهذا قال : { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } [ الإسراء : 40 ] أي : قولاً ينبئ عن عظم أمر ظلوميتكم وجهوليتكم . ثم قال : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } [ الإسراء : 41 ] أي : بالحكم والمواعظ والرموز والإشارات والدقائق والحقائق والترغيب والتشويق والتحبيب { لِيَذَّكَّرُواْ } [ الإسراء : 41 ] أي : ليذكروا يوم الميثاق والإنفاق على الوفاق { وَمَا يَزِيدُهُمْ } [ الإسراء : 41 ] الظلومية والجهولية { إِلاَّ نُفُوراً } [ الإسراء : 41 ] عن حظائر قدسنا ومجالس أنسنا . وبقوله : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ } [ الإسراء : 42 ] يشير إلى أن الآلهة لا يخلو أمرهم إما كانوا أكبر منه أو كانوا أمثاله أو كانوا أدون منه فإن كانوا أكبر منه { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] أي : طلبوا طريقاً إلى إزعاج صاحب العرش ونزع الملك منه قهراً أو غلبة ليكون لهم الملك لا له كما هو المعتاد من الملوك ، وإن كانوا أمثاله لم يرضوا بأن يكون الملك لواحد مثلهم وهم جماعة معزولون عن الملك فأيضاً نازعوه في الملك ، وإن كانوا أدون منه فالناقص لا يصلح للإلهية إذا لابتغوا إلى ذي العرش الكامل في الألوهية سبيلاً للخدمة والعبودية والقربة . ثم قال : { سُبْحَانَهُ } [ الإسراء : 43 ] أي : تنزيهاً أن يكون له غالب يمنعه أو مثل ينازعه { وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [ الإسراء : 43 ] أي : هو أكبر وأعظم مما يظنون به ويتوقعون منه ومن عظمته . { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [ الإسراء : 44 ] أي : تنزهه عما يقولون وعن كل نقيصة ذرات المكونات ، وإجراء المخلوقات لمن له روح فبلسانه ولغته وهذا مما لا يفقهه العقلاء ، وأما الجمادات فبلسان الملكوتي كما قال : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [ الإسراء : 44 ] أي : بحمده على نعمة الإيجاد والتربية { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . واعلم أن الله تعالى أثبت لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوتاً بقوله : { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ يس : 83 ] والملكوت باطن الكون وهو الآخرة والآخرة حيوان لا جماد كقوله : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] فأثبت بهذا الدليل لكل ذرة من ذرات الموجودات لساناً ملكوتياً ناطقاً بالتسبيح والحمد تنزيهاً لصانعه وقادره وحمداً له على ما أولاه من نعمة ، وبهذا اللسان نطق الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تنطق الأرض يوم القيامة . وكما قال تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [ الزلزلة : 4 ] وبهذا اللسان نطق الحصى وتشهد أجزاء الإنسان وأبعاضه عليه يوم القيامة وبقوله : { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ فصلت : 21 ] وبهذا اللسان نطقت السماوات والأرض حين { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] فافهم جدّاً واغتنم . ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً } [ الإسراء : 44 ] أي : في الأزل إذ أخرج من العدم مَن يتولد منه أن يتخذ مع الله آلهة أخرى { غَفُوراً } [ الإسراء : 44 ] لمن تاب عن مثل هذه المقالات .