Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 45-48)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إعجاز القرآن بالبرهان بقوله تعالى : { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] يشير إلى أن من قرأ القرآن حق قراءته ارتقى إلى أعلى المراتب كما قال صلى الله عليه وسلم : " يقال - يعني : لصاحب القرآن - اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها " . قال أبو سليمان الخطابي : " جاء في الأثر أن عدد أي القرآن على عدد درج الجنة فمن استوفى جميع آي القرآن استولى على أقصى درج الجنة " . قلت : واستيفاء جميع آي القرآن في الحقيقة هو التخلق بأخلاق القرآن ، فالقرآن من أخلاق الله وصفاته والمتخلق بأخلاقه يكون متخلقاً بأخلاق الله ، وهذا يكون بعد العبور عن حجب الظلماني والنوراني متمكناً { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] فهو الذي جعل بينه وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً . وإنما قال : { حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] ولم يقل ساتراً ؛ لأن الحجاب يستر الواصل عن المنقطع ولا يستر المنقطع عن الواصل فيكون الواصل بالحجاب مستوراً عن المنقطع ، والله أعلم . وفي قوله : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } [ الإسراء : 46 ] إشارة إلى انحراف مزاج قلوب أهل الشرك وحصول المرض فيها وإزالة الصحة والسلامة عنها إذ يتفرقون عند استماع ذكر الواحد الأحد بالوحدانية والوحدة ولا يجدون حلاوة التوحيد ؛ بل يجدون فيه المرارة لسوء المزاج . { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [ الإسراء : 47 ] لأنا خلقناهم مستعدين لذلك كقوله : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } [ الملك : 14 ] وأنهم يستمعون بالهوى فيسمعون الأساطير والسحر والشعر ، ولو استمعوا بالله لاستمعوا كلام الله وصفاته { إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [ الإسراء : 47 ] .