Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 59-61)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن آيات إرساله الآيات بقوله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الإسراء : 59 ] يشير إلى اختصاص هذه الأمة بالرحمة والعناية كرامة لوجه حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الأمم السالفة مثل ثمود وغيرها لما التمست الآيات من أنبيائهم فأرسل الله بها ، ثم لم يؤمنوا وجحدوا أنها من عند الله كما قال : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء : 59 ] ليؤمنوا فلم يؤمنوا بها وعقروها وكذبوا ، جرت سنة الله على ألا يهلكهم ويعذبهم ويأخذهم نكال الآخرة والأولى ، فلما التمست قريش من النبي الآيات مثل أن يجعل الله لهم الضفادع وغيرها . كما قال تعالى : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ } [ الإسراء : 59 ] أي : وما منعنا الرحمة السابقة غضباً في الأزل أن نسعف ملتمسهم إلا أنا علمنا أنهم لا يؤمنون بها ولا يكذبون بها كما { كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الإسراء : 59 ] فيقضي السنة التي لا تبديل لها أن تهلك أمتك كما أهلكنا الأولين ، وقد سبقت لأمتك منا كرامة لك ألا نعذبهم وأنت فيهم . { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } [ الإسراء : 60 ] أي : أحاط بما في نفوس الناس من الخير والشر علماً فيعلم ما هو مقتضى كل نفس ولهذا قال : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } [ الإسراء : 60 ] ولا يزيدهم التخويف إلا الطغيان ؛ لأنه تعالى كان عالماً بحال نفوس أهل الشقاوة ، منهم أنه صلى الله عليه وسلم إذا قص رؤياه عليهم أنهم يكذبونه ، فجوَّز هذا التكذيب في حقهم ؛ لأنه لم يكن بعد إرساله آية ملتمسة موجبة لهلاكهم ولم يجوِّزهم التكذيب بعد إرسال الآية الملتمسة الموجبة لهلاكهم فضلاً منه ورحمة . ثم أخبر عن فضل آدم على الملائكة بوجوب السجود بقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ } [ الإسراء : 61 ] إشارة إلى أن آدم عليه السلام كان مستحقاً لسجود الملائكة ؛ وذلك لأنه تعالى خلق آدم فتجلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكانت السجدة في الحقيقة للحق تعالى ، وكان آدم عليه السلام بمثابة الكعبة قبلة السجود فتسجد الملائكة لاستعداد ائتمارهم بأوامر الحق وانتهائهم عن نواهي الحق ، كقوله تعالى : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] فدل الائتمار بأوامر الحق والانتهاء عن نواهيه عن السعادة الأزلية { إَلاَّ إِبْلِيسَ } [ الإسراء : 61 ] فإنه { أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } [ البقرة : 34 ] فدلت المخالفة والإباء على الشقاوة الأزلية ، ومن شقاوة إبليس { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] اعتراضاً وعجباً ونكراً وإنكاراً فاستحق اللعن والطرد والبعد .